قَالَ ابنُ بَازٍ رحمه الله: الظَّاهِرُ أنَّ فيهَا الوَجهَينِ {وفَى} بِما التَزمَ به، أو {وفَّى} بِالتَّشدِيدِ، وهو أَكمَلُ.
وهَذَا يَدُلُّ على أن العَبدَ بَينَ أُمُورٍ -هَذِهِ الَبيعَةُ يُقالُ لها بَيعَةُ النِّسَاءِ، المَذكُورَةُ في سُورَةِ المُمتَحنَةِ- فَالعبدُ بَين أُمُورٍ:
١ - بينَ أن يُوفِّيَ بما عَاهَدَ اللهَ عليه؛ فله أَجرُهُ عِنْدَ اللهِ.
٢ - والَأمرُ الثَّانِي: أن يُؤخَذَ بما عَمِلَ مِنَ التَّقصِيرِ وتُقَامُ عليه الحُدُودُ أو يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتٍ في الدُّنيَا على فِعلِهِ، فاللهُ أَكبَرُ من أن يُعِيدَ عليه العُقوبَةَ؛ فَيكُونَ جَزَاءً له، إلا أن يَفعَلَ بعد ذَلكَ شَيْئًا آخَرَ، إلا أن يُعِيدَ الكَرَّةَ.
٣ - والأَمرُ الثَّالثُ: يُستَرُ، يَفعَلُ المَعصِيَةَ ويُستَرُ، لا يَتُوبُ ولا يُعَاقبُ في الدُّنيَا بل يُستَرُ، هَذَا أَمرُهُ إلى اللهِ إن شَاءَ عَذَّبَهُ وإن شَاءَ غَفرَ له كمَا في قَولِهِ سُبحَانَهُ:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، أمَّا مَنْ وَفَّى واستقَامَ على دِينِ اللهِ فهَذَا أَجْرُهُ على اللهِ سبحانه وتعالى.
أمَّا الحَالَةُ الثَّانِيةُ: الذي أَتَى المَعَاصِيَ ثم عُوقِبَ، زَنا فَأُقيمَ عليه الحَدُّ، شَربَ الخَمرَ فَأُقِيمَ عليه الحَدُّ ثم لم يَعُدْ، فهَذَا كَفَّارَةٌ له، فإن عَادَ إلى زِنًا ثَانٍ هَذِه عُقُوبةُ زِنًا ثَانِيَةٌ، أو عَادَ لِشُربٍ آخَرَ عليه عُقُوبَةٌ ثَانِيةٌ. لكن إن زَنَا فَأُقِيمَ عليه الحَدُّ ثم مَاتَ على ذَلكَ؛ كَانَ كَفَّارةً له هَذَا الحَدُّ، كذَلكَ قَتَلَ فَقُتِلَ كذَلكَ.
الثَّالثُ: مَستُورٌ، عَصَى وسُتِرَ فلم يُقَمْ عليه الحَدُّ فهَذَا أَمرُهُ إلى اللهِ، إن شَاءَ عَفَا عنه بِفضلِهِ سُبحَانَهُ بِأسبَابِ أَعمَالٍ صَالِحَةٍ، أو شَفَاعةِ الشُّفَعَاءِ أو