وهَذَا عَندَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ، قَالَ:«لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى» من بَابِ التَّوَاضُعِ، وإلا فهو أَفضَلُ العَالَمِينَ، كمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ»(١) عليه الصلاة والسلام، لكِنْ قَالَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ؛ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ على هَذِه الأُمُورِ، أو مِنْ بَابِ سدِّ الفِتنَةِ، قَضَى على أَسبَابِهَا لِئَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ تَعَصُّبٌ مَقِيتٌ، لا لِطَلبِ الحَقِّ ولا لِأَجلِ فَضلٍ، أو لأنَّهُ قد يُثِيرُ فِتَنًا بَينَ النَّاسِ.
فالحَاصِلُ: أنَّ هَذَا لا يَقْدَحُ في الرِّوَايَةِ المَعرُوفَةِ الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ وغَيرُهُ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ». هَذَا أمرٌ مُجْمَعٌ عليه عند أَهْلِ السُّنَّةِ، أَنَّه أَفضَلُ الأَنبِيَاءِ عليه الصلاة والسلام وخَيرُهُم، ولكِنَّ التَّفضِيلَ إذا كَانَ على سَبِيلِ العَصَبِيَّةِ أو يَتَرَتَّبُ عليه بَعضُ الفِتنِ يَنبَغِي تَركُهُ.
وهَذِه الصَّعقَةُ ظَنَّ بَعضُ النَّاسِ أَنَّها صَعْقَةُ البَعثِ، وليسَ الأَمرُ كذَلكَ، مِثلُ ما في الحَدِيثِ هَذَا يَومَ القِيَامةِ، يُصعَقُونَ يَومَ القِيَامةِ بَعدَمَا قَامُوا بَعدَمَا بُعِثُوا، هَذِه صَعْقَةٌ أُخرَى وهُم في المَوقِفِ، جَاءَ في بِعْضِ الرِّوَايَاتِ ما يَدُلُّ على أَنَّها عند مَجِيءِ اللهِ لِفَصلِ القَضَاءِ بين عِبَادِهِ.