صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى، قَالَ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى»(١).
وهَذَا كَالأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ -أَحَادِيثِ الرَّجَاءِ وأَحَادِيثِ التَّبشِيرِ بِالجَنَّةِ لِأهلِ التَّوحِيدِ- هَذِه الأَحَادِيثُ تَدلُّ على أن أَصْلَ الدِّينِ وأَصلُ السَّعَادَةِ هو تَوحِيدُ اللهِ والإِخلَاصُ له، وأنَّ مَنْ مَاتَ عَليهِ سَالِمًا منَ الشِّركِ فَإنَّه مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وإن كَانَتْ له ذُنُوبٌ وسَيِّئاتٌ؛ ولِهذَا قَالَ:«وإن زَنَى وإِن سَرَقَ» قَالَ: «وإن زَنَى وإِن سَرَقَ»، وفي اللَّفظِ الآخَرِ: كَرَّرَها ثَلَاثًا ثم قَالَ: «على رَغمِ أَنفِ أَبِي ذَرٍّ».
فهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ على أنَّ الْمُوحِّدِينَ مَصِيرُهُم إلى الجَنَّةِ، وأنَّ ارْتِكَابَ الذُّنُوبِ والْمَعَاصِي التي قد يَمُوتُ عليها بَعضُهُم تَحتَ مَشِيئةِ اللهِ لا تَمنَعُهُم مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ، وإنْ جَرَى عَلَيهِم خُطُوبٌ قَبلَهَا وأُمُورٌ من عَذَابٍ وشِدَّةٍ وغَيرِ ذَلكَ، لكنَّهَا لَا تَمنَعُهُم مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ في المُنتَهَى والمَصِيرِ، فمنهم من يَتُوبُ اللهُ عليه قبلَ المَوتِ فَيَسْلَمُ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنهُم من تَكُونُ له أَعمَالٌ صَالِحَةٌ عَظِيمَةٌ تَرجُحُ بِسَيئَاتِهِ، ومِنهم يَشفَعُ فيه الشُّفعَاءُ كَنَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم وغَيرُهُ كَالمَلَائِكَةِ والمُؤمِنِينَ والأَفْرَاطِ؛ فَيُغفَرُ له، وَمِنهُم من يُعَذَّبُ على قَدرِ مَعَاصِيهِ كمَا تَقَدَّمَ