متى وَقَعَ منه الذَّنبُ بَادَرَ بِالتَّوبةِ والإِقلَاعِ والنَّدمِ؛ فإن اللهَ يَغفِرُ له سبحانه وتعالى، ولو سَبَقَتْ لَهُ ذُنُوبٌ، كُلُّ ذَنبٍ يُؤخَذُ به عَلَى حِدَةٍ، فإذَا تَابَ مِنهُ وأَنَابَ إلى اللهِ غَفرَ اللهُ لَه، وإذا وَقَعَ بعد ذَلكَ في الذَّنبِ بعد تَوبَةٍ صَادِقَةٍ أُخِذَ بِالذَّنبِ الأَخِيرِ إلَّا أنْ يَتُوبَ، فإن تَابَ غَفرَ اللهُ له، وهَكَذَا إلى المَوتِ.
فاَلذُّنُوبُ تَتَنوَّعُ والتَّوبَةُ تَتَبعَّضُ، فإذا تَابَ مِنْ الذَّنبِ تَوبَةً صَادِقَةً ثم بُليَ به مَرَّةً أُخرَى أُخِذَ بِالأَخِيرِ، والأَوَّلُ مَضَى بِتَوبَتِه، وهَكَذَا إذا كَانَ له ذُنُوبٌ فَتَابَ من هَذَا دُونَ هَذَا، أُخذَ بِالذَّنبِ الذي لم يَتُبْ منه، وغُفِرَ له ما تَابَ منه تَوبَةً صَادِقةً، وإنما يَكُونُ مُصِرًّا إذا لم يَتُبْ، هَذَا هو المُصرُّ الذي أَتَى بِالذَّنبِ ثم الذَّنبِ ثم الذَّنبِ ولم يَتُبْ، هَذَا هو المُصِرُّ ولا يُغفَرُ للمُصِرِّ؛ لأنَّ اللهَ قَالَ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥)} [آل عمران: ١٣٥].
فَأمَّا مَنْ تَابَ ونَدِمَ وأَقلَعَ، ثم وَقَعَ فيه مَرَّةً أُخْرَى ولم يُصرَّ عليه سَابقًا، وإنما وَقَعَ له ذَنبٌ مِثلُ ذَلكَ أو غَيره؛ فهَذَا يُؤخَذُ بِالأَخِيرِ إلا أن يَتُوبَ.
أَحسَنَ اللهُ إِليكَ: قَولُهُ: «فَليعمَلْ ما شَاءَ»؟
الظَّاهِرُ: أن المُرادَ بهَذَا لَيْسَ الإِذْنَ له، وإنَّما ما دَامَ بهَذِه الحَالَةِ فإنَّه لا يَضُرُّهُ، ما دَامَ بهَذِه الحَالَةِ كُلَّمَا أَذنَبَ تَابَ ولم يُصرَّ على الذَّنبِ؛ فإنَّ حُكمَ اللهِ في ذَلكَ أَنَّه يُتَابُ عليه في ذَلكَ، وليس المُرَادُ به أَنَّه مَأذُونٌ لَهُ أَنْ يَفعَلَ أو يَعصِيَهُ، ما دَامَ فَليعمَلْ ما شَاءَ.
قد يُقَالُ: المُرَادُ بهَذَا التَّهدِيدُ، لكنَّ المَقَامَ ما هو مَقَامُ تَهدِيدٍ، المَقَامُ مَقَامُ الفَضْلِ، فالمَعْنَى ما دَامَ بهَذِه الحَالَةِ فإنه يُغفَرُ له، ما دَامَ كُلَّمَا أذنَبَ تَابَ وأَقلَعَ فعليه أن يَتَوقَّى الذُّنُوبَ وعليه أن يَحذَرَهَا، ولكِنْ ما دَامَ متى فَعَلَ تَابَ فَإنَّهُ لا