النَّاسُ ولا تَخفَى؛ هَذَا لا يُعفَى عنه للتَّسَاهُلِ فيها، أو جَهِلَهَا لِإِعرَاضِهِ وغَفلَتِهِ.
قَولُهُ: في الحَدِيثِ الأَولِ: «لم يَعمَلْ خَيرًا قَطُّ»؟
يَحْتَمِلُ -واللهُ أَعلَمُ- يَعْنِي الخَيرَ الذي لَيْسَ بِفَرضٍ مِنْ التَّقَرُّبَاتِ والمُسَابَقةِ إلى الخَيرَاتِ، لَيْسَ المُرادُ تَركَ الوَاجِبَاتِ أو فِعلَ الْمُحَرَّماتِ، مُحتَمِلَةٌ، العِبَارَةُ هَذِه مُحتَمِلَةٌ، فإنَّ ظَاهِرهَا أَنَّه ما عنده شَيءٌ بِالكُلِّيةِ وليس هو المُرادُ، بل عندَه مِنْ الإِيمَانِ والتَّوحِيدِ الوَاجِبِ ما يكون سَببًا لِنَجَاتِهِ، لكِنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنَ القُدرَةِ. وعلى كُلِّ حَالٍ هو شَيءٌ مما مَضَى، والإِشكَالُ في كَونِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ وسَكَتَ وأَقَرَّ، هَذَا هو مَحَلُّ الإِشكَالِ.
والجَوَابُ: أنَّ مَنْ عَلِمَ الشَّرائِعَ وعَرفَ الأَحكَامَ لَيْسَ كَمَنْ جِهِلهَا؛ فَعليهِ أن يُؤدِّيَ ما عَرفَ وتَركُ ما حُرِّمَ، وإذا جَهِلَ شَيْئًا مما قد يَجهَلُهُ العَامِيُّ الذي لَيْسَ عنده مَعلُومَاتٌ وليس منَ الأُمُورِ الظَّاهِرةِ التي مِثل الصَّلَاةِ مِثل الزَّكَاةِ، الشَّيءَ الوَاضِحَ؛ فإنَّه قد يُعفَى عنه لِجَهلِهِ بذَلكَ الشَّيءِ، مِثلُ أَصحَابِ الفَترَاتِ ومَن أَدرَكَهُ الإِسلَامُ وهو أَصَمُّ أَبكَم لا يَفهَمُ، أو مُخَرِّفٌ؛ لأنَّ هَؤلَاءِ مَعذُوُروُنَ، فهَذَا كذَلكَ في هَذِه الأَشيَاءِ الدَّقِيقَةِ، فهَؤلَاءِ كالَّذِينَ لم يُدرِكُوا الشَّرِيعَةَ ولم تَبلُغْهُم الرِّسَالَةُ، فهو لَفظٌ مُجمَلٌ لا بُدَّ أن يُفسِّرَه بما جَاءَتِ به الشَّريعَةُ الإِسلَامِيَّةُ.
كَلِمَةُ:«خَيرًا»، نَكِرةٌ في سِيَاقِ النَّفيِ ما تَعمُّ؟