للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ». فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يا رَسُولَ اللهِ، لَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ.

هَذَا ممَّا يَحصُلُ لِأهلِ الجَنَّةِ مِنْ أَنوَاعِ النَّعيمِ ومِن آيَاتِ اللهِ العَظِيمَةِ، هَذَا طَلَبَ الزَّرعَ، واللهُ قَالَ له: ألسَتَ فيمَا تَشتَهِي وتُريدُ، كُلُّ النِّعمِ عندك؟! قَالَ: أُحِبُّ أن أَزرَعَ؛ فَبذَرَ وبَادرَ الطَّرفَ سُرعَة اسْتوَاءِ الزَّرعِ، اسْتِوَاؤُه وحَصَادُهُ وانْتهَاؤُهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ طَرفَة عَينٍ كَالجِبالِ، اللهُ المُستَعَانُ، اللهُ أَكبَرُ. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢].

أَحسَنَ اللهُ إِليكَ، قَولُ الأَعرَابِيِّ: «ما أَرَاهُ إلا قُرَشِيًّا»، يَكُونُ هَذَا مِنْ الدُّعَابَةِ الجَائِزَةِ أو مِنَ التَّفسِيرِ الذي لَيْسَ المَقصُودُ به القَدْحُ؟

يَظهَرُ واللهُ أَعلَمُ أَنَّه مِنَ الدُّعَابَةِ، وَأنَّه أَرادَ أن يُضحِكَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وأن يَتَكَلَّمَ بِكَلِمةٍ تُؤنِسُهُ عليه الصلاة والسلام؛ ولِهذَا قَالَ: ما أَرَاه إلا قرشيًّا أو أنصَاريًّا،

<<  <   >  >>