للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابنُ بَازٍ رحمه الله: الْمَقصُودُ من هَذِه التَّرجَمَةِ أنَّ فيهَا بَعضَ الإِشكَالِ، ولكنَّ مَقصُودَهُ رحمه الله أنَّ ذِكرَ اللهِ للعبدِ بِالأَمرِ، هو تَفسِيرٌ للشَّيءِ بِبَعضِهِ، تَفسِيرٌ لِلذِّكرِ بِبَعضِهِ، فإنَّ ذِكرَ اللهِ لِلعَبدِ: قد يَكُونُ بِالأَمرِ وقد يَكُونُ بِغَيرِ الأَمرِ، فهو مِنْ بَابِ التَّفسِيرِ بِالبَعضِ، مِثلمَا فُسِّرَ الصِّرَاطُ الْمُستَقِيمُ بِاتِّبَاعِ القُرآنِ، يَعْنِي: والسُّنَة، بِاتِّبَاعِ أَبِي بَكرٍ وعُمرَ رضي الله عنهما، يَعْنِي ما كَانَ عليه مِنْ السَّيرِ على مَنهَجِ السَّلفِ الصَّالحِ.

فَذِكرُ اللهِ بِالأَمرِ هو مِنْ هَذَا البَابِ، من بَابِ تَفسِيرِ الشَّيءِ بِبَعضِ مَعنَاهُ، فإنه سُبحَانَهُ يَذكُرُ العِبَادَ بِالأَمر «فَاتَّقُونِ، أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، آتُوا الزَّكَاةَ، حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ»، هَذِه أَوَامرُ.

ويَأتِي أَيضًا ذِكرُهُ لِلعِبَادِ بِغَيرِ الأَمرِ. يَأتِي بِالخَبرِ ما كَانَ ومَا يَكُونُ، يَذكُرُهُم بِالمَاضِي، يَذكُرُهُم بِالجَنَّةِ والنَّارِ، يَذكُرُهُم بِيَومِ القِيَامةِ، يُخبِرُ عن بَعضِ ما مَضَى، يُخبِرُ عن بَعضِ ما يَأتِي، يَذكُرُ لهم أَوصَافَ المُؤمِنِينَ، أَوصَافَ الكَافِرِينَ، كُلُّ هَذَا مِنْ ذِكرِهِ سُبحَانَهُ.

هو ذَكرَ هَذِه الأَشيَاءَ لِمَا فيهَا مِنْ العِظَةِ والتَّوجِيهِ وتَنبِيهِ العِبَاِد عما يَنبَغِي أن يَفعَلُوه، وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ ذَكَرَنِي في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي، ومَن ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكرتُهُ في مَلإٍ خَيرٍ مِنهم» (١). {فاذْكُرُونِي أَذكُرْكُم}. فِذِكُرُ اللهِ بِخَوفِهِ، ومَحَبَّتِهِ، والثَّنَاءِ عليه، وبَيَانِ صِفَاتِهِ وأَسمَائِهِ الحُسنَى، إلى غَيرِ ذَلكَ، مِنْ أَسبَابِ أنَّ اللهَ يَذكُرُ العَبدَ بِأحسَنِ خِصَالِهِ وأَفضلِ


(١) رواه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥) (٢)

<<  <   >  >>