وهو أَعظَمُ الذُّنُوبِ وأَخطَرُهَا، وليسَ مع صَاحِبِهِ مَغفِرةٌ ولا رَجَاءٌ في دُخُولِ الجَنَّةِ، بل هو آيسٌ مِنْ رَحمَةِ اللهِ ومن مَغفِرَتِهِ ما لم يَتَبْ، بِخِلَافِ الْمَعَاصِي؛ فإنَّهَا وإن كَانَتْ عَظِيمَةً وإن كَانَتْ خَطِيرَةً وإن كَانَ صَاحِبُهَا على شَفَا جُرُفٍ لكنَّهَا لَيْسَتْ من جِنسِ الكُفرِ بالله عز وجل، بَلْ هي دُونَهُ.
ولذَلكَ من مَاتَ عليه لا يُخَلَّدُ في النَّارِ إن دَخَلَهَا، وإنما يُعَذَّبُ إذا شَاءَ اللهُ تَعذِيبَهُ على قَدرِ مَعَاصِيهِ، وقد يَعفُو اللهُ عنه لِأسبَابٍ اقْتَضَت ذَلكَ، أمَّا الْمُشركُ فلا حِيلَةَ فيه، من مَاتَ على الشِّركِ الأَكبَرِ فَالنَّارُ أَولَى به أَبدَ الآبَادِ، نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.
والآيَةُ الكَرِيمَةُ ذَكَرَ فيها سُبحَانَهُ القَتلَ والزِّنَا قَرينَي الشَّركِ (١)، والحَدِيثُ ذَكرَ قَتلَ الوَلَدِ والزِّنَا بِحَلِيلَةِ الجَارِ، فَالحَدِيثُ نبَّهَ على أَقبَحِ أَنْواَعِ القَتلِ، وأَقبَحِ أَنوَاعِ الزِّنَا، وَأنَّه أَلصَقُ بِالآيَةِ بِكَونِهِ يَلِي الشِّركَ -نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ- لِأنَّه إذا قَتلَ وَلَدَه جَمَعَ بين قَتلِ النَّفسِ بِغَيرِ الحَقِّ وبَين قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وإذا زَنَا بِحَلِيلَةِ الجَارِ جَمَعَ بينَ شَرَّينِ، بين الزِّنَا وبينَ إِيذَاءِ الجَارِ وإِفسَادِ زَوجَتِهِ عليه.
وصَارَ هَذَانِ النَّوعَانِ أَخطَرَ أَنْوَاعِ الزِّنَا والقَتلِ، نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ، وكُلُّ أَنوَاعِ الزِّنَا شَرٌّ، وكُلُّ أَنوَاعِ القِتلِ بِغَيرِ حَقٍّ شَرٌّ، لكن إذا كَانَ القَتلُ للقَرِيبِ أو للوَلَدِ أو الوَالِدِ أو الأَخِ صَارَ أَقبَحَ، وهَكَذَا إذا كَانَ الزِّنَا بِزَوجَةِ الجَارِ، أو الْمحْرمِ صَارَ أَقبَحَ، نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.