فَالحَدَثُ الذي يَقعُ هو الأَمرُ بِالشَّيءِ أو شَرعُهُ بعد أنْ لم يَكنْ شَرَعَهُ، والتَّجدِيدُ بِالشَّيءِ بِالأَمرِ به بعدَ أنْ لم يَكُنْ أَمرَ به، أو إِنزَالُهُ بعدَ أنْ لم يَكُنْ أنَزَلَهُ.
والْمُحدَثُ: الجَدِيدُ لَيْسَ سَابِقًا: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢]، {إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[الأنبياء: ٣] لَيْسَ الْمُرادُ به الحَدثَ الذي هو المَخلُوقُ، وإِنَّما الشّيءُ الذي جَاءَ بعد أن لم يَأتِ، الجَدِيدُ.
وقَولُهُ:«يُحدِثُ مِنْ أَمرِهِ ما يَشَاءُ». مِنَ الشَّرَائِعِ، شَرعَ الصَّلَاةَ بعد أنْ لم يَشرَعْهَا، الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، شَرعَ تَحرِيمَ الخَمرِ بعدمَا كَانَ مُستَعمَلًا بينَهُم، شَرعَ الزَّكَاةَ وأَنصِبَتَهَا وتَفصِيلَهَا بعد أن لم يكُن شَرعَها، وهَكَذَا، كُلُّ شَيءٍ جَاءَ في وَقتِهِ لِحِكمَةٍ بَالِغَةٍ، فهو جَدِيدٌ بِالنِّسبَةِ إلى الْمَخلُوقِينَ وهو عندَه مَعلُومٌ سبحانه وتعالى، لا يَخفَى عليه خَافِيَةٌ.
بِخِلَافِ حَدَثِ الْمَخلُوقِ، هَذَا شَيءٌ آخَرُ، الْمَخلُوقُونَ كُلُّهُم مُحدَثُونَ مَخلُوقُونَ مَربُوبُونَ، هَكَذَا السَّمَاءُ هَكَذَا الأَرضُ، أَحدَثَها بِمَعنَى خَلَقَهَا وأَوجَدَهَا، لكنَّ الحَدَثَ في الشَّرَائِعِ وفي المُنزَّلِ مِنَ القُرآنِ والكُتُبِ لَيْسَ مَعنَاهُ الحَدَثَ الذي يُصَارُ به السَّمَاءُ أو الأَرضُ أو الجِبَالُ أو البِحَارُ؛ فذاكَ إِحدَاثُ مَخلُوقٍ، وهَذَا إِحدَاثُ وَصفٍ وُصِفَ به جل وعلا لم يَتَقَدَّم به إلى الْمَخلُوقِينَ ثم تَقَدَّمَ به سُبحَانَهُ مِنْ إِنزَالِ القُرآنِ، إِنزَالِ التَّورَاةِ، إِنزَالِ الإِنْجِيلِ، إِنزَالِ الشَّرائِعِ التي نَوَّعَهَا سبحانه وتعالى.
أَحَدثَ في الصَّلَاةِ أَلَّا يَتَكَلَّموا، وكانوا قَبلَ ذَلكَ يَتَكَلَّمُونَ في حَاجَاتِهِم كَرَدِّ السَّلَامِ والأَمرِ بِالحَاجَةِ، ثم نَسَخَ اللهُ ذَلكَ وأَمرَ بِالخُشُوعِ في الصَّلَاةِ والسُّكُوتِ فيها وعَدمِ الكَلَامِ.