للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالصَّوتُ والتِّلَاوةُ والقِرَاءَةُ فِعلُهُ، والْمَتلُو الْمَقرُوءُ هو كَلَامُ اللهِ عز وجل.

وفي هَذَا حَثٌّ وتَحرِيضٌ على العِنَايةِ بِالتِّلَاوَةِ، وَأنَّه يَنبَغِي للتَّالِي أن يَعتَنِيَ بِالتَّلَاوةِ حَتَّى يَستَفِيدَ هو ويَستَفِيدَ مَنْ يَستَمِعُ له: «المَاهِرُ بِالقُرآنِ مع السَّفَرةِ الكِرامِ البَرَرَةِ». ذَكَرُوا في المَاهِرِ أَنَّه الحَافِظُ الذي يُحسِنُ التِّلَاوَةَ، والحَاذِقُ في التِّلَاوَةِ الذي يُجِيدُهَا ويَتَخَشَّعُ فيها فَيستَفِيدُ ويَستَفِيدُ مَنْ يَستَمِعُ له.

وهَكَذَا: «زَيِّنُوا القُرآنَ بِأصوَاتِكُم» إذا حَسَّنَ صَوتَهُ وحَسَّنَ تَلِاوَتَهُ وتَخَشَّعَ فيها؛ كَانَ هَذَا أَكثرَ لِتَأثِيرِ القُرآنِ في قُلُوبِ الْمُستَمِعِينَ والتَّالِينَ أَيضًا.

وهَكَذَا قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «ما أَذِنَ اللهُ لِنَبِيٍّ ما أَذِنَ … » يَعْنِي: اسْتَمَعَ، أَذِنَ: اسْتَمَعَ، وهَذَا شَيءٌ يَلِيقُ بِاللهِ لا يُشَابِهُ خَلقَهُ في اسْتمَاعِهِم، فَكَلَامُهُ واسْتِمَاعُهُ وسَائِرُ صِفَاتِهِ كُلِّهَا تَلِيقُ بِاللهِ لا يُشبِهُ فيها خَلقَهُ سبحانه وتعالى، بل هو الكَامِلُ في كُلِّ شَيءٍ وليس في صِفَاتِهِ شَيءٌ منَ النَّقصِ والعَيبِ كما في صِفَاتِ الْمَخلُوقِينَ.

فإذا كَانَ الرَّبُّ جل وعلا يَستَمِعُ للنَّبيِّ حَسنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ، وَأنَّه ما أَذِنَ لِشَيءٍ كَأذنِهِ له؛ دَلَّ ذَلكَ على أَنَّه يَنبَغِي لِلقَارِئِ أن يُحَسِّنَ صَوتَهُ ويَجتَهِدَ في تِلَاوَتهِ من دُونِ تَمطِيطٍ وتَشِبيهٍ له بِالغِنَاءِ، لكن عِنَايَةً وتَخَشُّعًا، وإِعطَاءَ الحُروفِ حَقَّها والمُدُودِ حَقَّهَا والوُقُوفِ حَقَّهَا؛ حَتَّى يَستَفِيدَ القَارِئُ والْمُستَمِعُ.

وتَقَدَّمَ في مُرُورِه صلى الله عليه وسلم على أبي مُوسَى رضي الله عنه وهو يَقرَأُ؛ فَوقَفَ يَستَمِعُ له وقال: «لقد أُوتِيَ هَذَا مِزمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاودَ». يَعْنِي: صَوتًا حَسَنًا مِنْ أَصوَاتِهِم.

فَلَمَّا جَاءَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَخبَرهُ بذَلكَ قَالَ:

<<  <   >  >>