والقِرَاءَةُ رُكنُ الصَّلَاةِ، والرُّكنُ الْمُهِمُّ منها؛ فلِهذَا سُمِّيتْ صَلَاةً؛ ولأنَّهُ دُعَاءٌ في المَعنَى، فَالقَارِئُ دَاعٍ في المَعنَى يَطلُبُ الأَجرَ ويَطلُبُ الثَّوَابَ، فهو مُصَلٍّ في المَعنَى دَاعٍ.
فالسُّنَّةُ للتَّالِي أن يَتَحَرَّى النَّفعَ الأَكمَلَ، فإنْ كَانَ الجَهرُ أَنفَعَ جَهَرَ، وإن كَانَ السِّرُّ أَنفعَ أَسَرَّ، وإن كانتِ الحَالُ تَحتَاجُ إلى التَّوَسُّطِ تَوَسَّطَ، كما أُمرَ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هَذَا الحَدِيثِ لَمَّا كَانَ الْمُشرِكُونَ إذا سَمِعُوا القُرآنَ سَبُّوا القُرآنَ ومَن أَنزَلَهُ، وكان هَذَا في مَكَّةَ قَبلَ أن يُؤمَرَ بِالصَّدعِ، قَبلَ أن تَنزِلَ عليه:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر: ٩٤].
وهَكَذَا إذا كَانَ الإِنسَانُ بين النُّوَّامِ أو بين الْمُصَلِّينَ أو بين القُرَّاءِ يَتَحَرَّى فلا يَجهَرُ جَهرًا يُؤذِي الْمُصَلِّينَ أو القُرَّاءِ، ولا يُخَافِتُ شَيْئًا [بحيثُ] يَجلِبُ إليه النُّعَاسَ أو يَضُرُّهُ، بل يَكُونُ يَتْلُو تَلَاوَةً لا تُؤذِي أَحَدًا ويَنتَفِعُ بها هُو.
وهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا في الْمَسَاجِدِ وفي الصَّفُوفِ يَومَ الجُمُعَةِ وفي غَيرِهَا، بَعضُ النَّاسِ قد يَجهَرُ كَثِيرًا فَيُشَوِّشُ على مَنْ حَولَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ والقُرَّاءِ، فَالسُّنَّةُ في التِّلَاوَةِ في مِثلِ هَذَا هو الخَفضُ حَتَّى لا يُشَوِّشَ على إِخوَانِهِ.
وفي هَذَا المَعنَى جَاءَ الحَدِيثُ الآخَرُ الذي رَوَاهُ مَالِكٌ وغَيرُهُ بِإسنَادٍ صَحِيحٍ أنَّ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام خَرَجَ على أُنَاسٍ في الْمَسجِدِ يُصَلُّونَ بِاللَّيلِ أَوزَاعًا؛ فَقَالَ:«كُلُّكُم يُنَاجِي اللهَ فَلا يَجهَرُ بَعضُكُم على بَعضٍ»(١). أو كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام.
فَأوصَاهُم بأن يُرَاعِيَ بَعضُهُم بَعضًا حَتَّى لا يُشُوِّشَ بَعضُهُم على بَعضٍ.