للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْفَاجِرِ الْمُنَافِقُ، بِقَرِينَةٍ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْمُؤْمِنِ فِي الْحَدِيثِ -يَعْنِي الْأَوَّلَ- وَمُقَابِلًا لَهُ؛ فَعَطْفُ الْمُنَافِقِ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ: «وَتِلَاوَتُهُمْ» مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ «لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ»، وَإِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَزِيدَ فِي بَعْضِهَا: «وَأَصْوَاتُهُمْ». قُلْتُ: هِيَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ «قِرَاءَةُ الْفَاجِرِ أَوِ الْمُنَافِقِ» بِالشَّكِّ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ تَأْوِيلَ الْكِرْمَانِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّنْوِيعِ، وَالْفَاجِرُ أَعَمُّ مِنَ الْمُنَافِقِ؛ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَهُوَ الْأَشْعَرِيُّ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي «فَضَائِلِ الْقُرْآنِ»، وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَبْوَابِ أَنَّ التِّلَاوَةَ مُتَفَاوِتَةٌ بِتَفَاوُتِ التَّالِي؛ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ عَمَلِهِ.

وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: مَعْنَى هَذَا الْبَابِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ لَا تَرْتَفِعُ إِلَى اللَّهِ وَلَا تَزْكُو عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يَزْكُو عِنْدَهُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ وَكَانَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَشَبَّهَهُ بِالرَّيْحَانَةِ حِينَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِبَرَكَةِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَفُزْ بِحَلَاوَةِ أَجْرِهِ، فَلَمْ يُجَاوِزِ الطِّيبُ مَوْضِعَ الصَّوْتِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَلَا اتَّصَلَ بِالْقَلْبِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ». [انتهى كلامه].

قَالَ ابنُ بَازٍ رحمه الله: ودُخُولُ الخَارِجِيُّ في ذَلكَ لَيْسَ أيضًا بِبَعِيدٍ؛ لأنَّ الخَوَارجَ يَتَكَلَّفُونَ ويَتنَطَّعُونَ وابْتَدَعُوا، حَتَّى قَالَ جَمعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِكُفرِهِم؛ لِقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَحقِرُ أَحَدُكُم صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِم وقِرَاءَتَهُ مع قِرَاءَتِهِم يَمرُقُونَ مِنْ الإِسْلَامِ ثمَّ لا يَعُودُونَ إليه» (١)، في اللَّفظِ الآخَرِ: «لا تَتَجَاوُزُ قِرَاءَتُهُم حَنَاجِرَهُم» (٢)، فهَذَا يَدخُلُ فيه الفَاجِرُ، فنَصَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على أن قِراءَتَهُم لا تَتَجَاوُز حَنَاجِرَهُم ولا تَرتَفعُ لِبِدعَتِهِم الشَّنِيعَةِ أو لِكُفرِهِم على القَولِ الآخَرِ.


(١) رواه البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٤) (١٤٨).
(٢) رواه البخاري (٣٣٤٤)، ومسلم (١٠٦٣) (١٤٢).

<<  <   >  >>