وَهذَا كَسَائِرِ الصِّفَاتِ تُمَرُّ عَلَى ظَاهِرِها عَلَى الوَجهِ اللَّائِقِ بِاللهِ، معَ العِلْمِ أنَّها تُفِيدُ أنَّهُ سُبْحانَهُ أَسْرعُ بِالخَيرِ إِلَى عِبادِهِ مِنهُمْ، وأَنَّهُم مَتَى سَارَعُوا إِلَى الخَيرَاتِ وَسابَقُوا إِلَى الطَّاعَاتِ، فَاللهُ بِالخَيرِ أَسبَقُ، وَفَضلُهُ أَكثَرُ وَأعظَمُ.
وَأمَّا تَفْسِيرُ هذِهِ الصِّفَاتِ فَلَا يَعلَمُ كَيفِيَّةَ ذلِكَ إلَّا هُو، صِفَاتُ حقٍّ (تَقرُّبُهُ مِنْ عِبَادِهِ ذِرَاعًا، وبَاعًا، وَمَشيُهُ إِليْهِ هَرْوَلةً) كُلُّ هذِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الفِعلِيَّةِ الَّتِي تُمَرُّ عَلَى ظَاهِرِها مِنْ غَيرِ تَحرِيفٍ، وَلَا تَكْييفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ، بلْ عَلَى حَدِّ قَولِهِ سُبْحانَهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١].
لَكنَّهُ يُستَفادُ مِنْها، مِنْ مَضْمونِهَا ومِن ثَمَراتِها ومِن مُقْتضَاهَا: أنَّهُ سُبْحانَهُ أَسْرعُ بِالخَيرِ إِلَى عِبادِهِ مِنهُم، وَأنَّهُ أَجْوَدُ وَأكْرَمُ، مِنْ سَابَقَ إِلَى الخَيْراتِ وسَارَعَ إِلَى الطَّاعَاتِ؛ فَاللهُ إِليْهِ أَسرَعُ بِالخَيرَاتِ وَالثَّوابِ.
وَقوْلُهُ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨]، و {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة: ١١٦]: تُمرُّ كَمَا جَاءَتْ مِثلُ سَائرِ الصِّفاتِ، لَهُ نَفسٌ لَا يَعلَمُ كَيفِيَّتهَا إلَّا هُوَ سبحانه وتعالى، لَهُ نَفْسٌ كَمَا أنَّ لَهُ يدًا وقَدَمًا ورَحْمَةً وغَضَبًا ورِضًا ونَحوَهَا، وكلُّهَا تَلِيقُ بِاللهِ لَا يُشابِهُهُ فِيها خَلقُهُ.
أَحْسَنَ اللهُ إِليْكَ، لو وُعِظَ بِمثْلِ هَذَا الحَدِيثِ: «مَنْ تَقرَّبَ إِليَّ شِبْرًا» أَشَارَ شِبرًا، «مَنْ تَقرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا» أَشارَ ذِراعًا، «مَنْ تَقرَّبَ إِليَّ بَاعًا» أَشَارَ بَاعًا؟
إِذَا أَرَادَ بِهِ الحَقيقَةِ ونَفْيَ التَّشْبيهِ لَا بَأسَ، إِذَا أَرادَ أنَّهُ شِبرٌ عَلَى الحَقِيقَةِ، وبَاعٌ عَلَى الحَقِيقةِ عَلَى الوَجهِ اللَّائقِ بِاللهِ فلَا بَأسَ، مِنْ بَابِ بَيَانِ الحَقيقَةِ، لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute