اعلم أن أصل قيام رمضان ثبت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله:
أما قوله عليه السلام؛ فترغيبه في قيامه على ما بيناه أولا.
وأما فعله؛ فجمعه بالناس ليلتين.
فإن قال قائل: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد ترك بقية الشهر ولم يصل معهم! ؟
فالجواب: أن هذا لا يدل على نسخ الجمع فيها؛ لأنه - عليه السلام - علل الامتناع بأنه خشي أن يفرض عليهم؛ إما لما جرت به عادته من أن ما داوم عليه على وجه الاجتماع من القرب؛ يفرض على أمته.
قالت عائشة رضي الله عنها:«إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يجب أن يعمل به؛ خيفة أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم» .
قالت:«وما سبح النبي صلى الله عليه وسلم سُبْحَةَ الضحى قط، وإني لأسبحها» .
قال القاضي أبو بكر:" ويحتمل أن الله تعالى أوحى إليه إن واصل هذه الصلاة معهم؛ فَرَضَهَا عليهم؛ إما لإرادته فرضها فقط على ما نذهب إليه من أن أفعال القديم تعالى غير معللة، أو لأنه يحدث فيهم من الأحوال والاعتقاد ما يكون الأصلح لهم فرض هذه الصلاة عليهم، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده - إذا داوم عليها - وجوبها على الناس ".
وهذه المعاني كلها مأمونة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.