والسخط على دينهم الحق أدّى إلى ضعف حب الصحابة وسنتهم ونقص عظمتهم في قلوبهم، فأدى إلى ضعف في اعتصامهم بالكتاب والسنة وقد حفظ الله تعالى شأنه طائفة من المؤمنين من هذا الداء العضال حتى أصبحت مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم". أو كما قال، لكنها كانت قليلة في العدد.
وكما أن التاريخ يقص قصص زوال الأمة وأسبابها ويرفع الحجاب عن الحقيقة أن إهمال الفكرة السنّية وتركها واختيار فكرة غير سنّية هي أعظم أسباب زوال الأمة وانحطاطها كذلك ينبئنا عن عروج الأمة ورقيها وأسبابه، ويضيء لنا الطريق إليه ويأتينا بأخبار كثيرة تدل دلالة واضحة على أن (الفكرة السنية) كفيلة بعروج الأمة ورقيها وهي الطريقة الوحيدة إليه.
وإني أستطيع أن آتي من التاريخ بأمثلة كثيرة لهذا الأصل، لكني قصداً للإيجاز أكتفي بإيراد قصة المجاهد الجليل والفتى النبيل محمد بن القاسم الثقفي - رحمه الله - حين وصل إلى قلعة محكمة في غزوة السند، وكانت القلعة التي غزاها على ساحل بحر السند، ولم يكن هناك جسر ولا سفينة، فنظر إلى جيوشه وسألهم: أرب البحر والبر واحد أم لهما ربان؟ قالوا: إن الله وحده هو رب البحر والبر ورب كل شيء وهو رب العالمين، فقال: ربنا الذي نصرنا وحفظنا في البر وإنا خرجنا في سبيل الله فلا ينبغي لنا أن نرجع على أعقابنا فادخلوا البحر، فدخل المجاهدون في الماء يمشون عليه كما يمشي الرجل على الأرض، ولما رأت جيوش الهندوس الذين كانوا يرمون الحجارة عليهم بالمنجنيق هذه الحالة المدهشة العجيبة طرحوا أسلحتهم وفتحوا باب الحصن وأطاعوا المسلمين المجاهدين، وواضح أن محمداً بن القاسم ومن كان معه من المجاهدين تفكروا بفكرة سنية، فنظروا إلى وعد الله تعالى شأنه لا إلى الأسباب الظاهرة، واستعانوا بالإيمان فأفلحوا ونجحوا، ثم لا يخفى على من طالع تاريخ السند أن الفتح المذكور، جاء في تلك البلاد ببركات كثيرة من غلبة الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا، ونشاط علمي وفكري كما جاء بالأمن والسلام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.