حقيقة جلية وصادقة لا ريب فيها أن مرجع العلم والمعرفة والفارق بين الصحيح والسقيم في الأمور التي لها دخل بالذات في سعادة النفس وشقائها هو القرآن الحكيم وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا أمر مسلم لا يشك فيه أحد من المسلمين كما قال الله تعالى في شأن كتابه المبين:{هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان} فهو مأخذ الهداية ومنبع العلم والمعرفة، والفرقان المبين بين الحق والباطل والصحيح والسقيم، وما هذا شأنه فحقه أن يتخذ مأخذا ومرجعا للعلم والمعرفة، أما الإجماع والقياس فيرجعان إليهما، إن اتباع الصراط المستقيم هو المنهاج المختار في التفكر لأن منهاج الذين أنعم الله عليهم، هو الاهتداء بالكتاب والسنة والاعتماد عليهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أصل علمه ومنبعه هو الوحي الإلهي، وإذا اجتهد كان يتفكر في ضوء الوحي، ثم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يتعلمون منه صلى الله عليه وسلم ويتبعونه، وإذا احتاجوا إلى الاجتهاد كانوا ينظرون إلى الكتاب أولاً ثم إلى السنة ثم إلى الرأي المبني على أحدهما، مثاله ما ورد في قصة سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن، فاختبره بالسؤال عن منهاج التفكر والاجتهاد، ولما أجاب بذكر المراجع المذكورة بالترتيب المذكور صوب النبي صلى الله عليه وسلم رأيه.
ثم إن الكتاب والسنة كل واحد منهما قد وصل إلينا بأيدي الصحابة رضي الله عنهم الذين تعلموهما عن النبي من غير واسطة، وفهموا معناهما وعقلوا مغزاهما وعملوا بهما تحت مراقبته صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه تولى تربيتهم وتزكيتهم، وجعلهم أسوة متبوعة لمن سواهم من الأمة الكائنة إلى يوم القيامة ومبلغين لدعوته إلى سائر الناس، ومعلمين ما علمهم من الكتاب والسنة لمن سواهم من أمته صلى الله عليه وسلم فجماعة الصحابة هم الواسطة الكبرى بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم وكل صحابي رضي الله عنه هو أنموذج عملي لتعليمه عليه أفضل الصلوات