للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باليمامة، دخل عمر بن الخطاب على أبى بكر «١» رحمه الله- فقال: إن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم باليمامة تهافتوا تهافت الفراش فى النار، وإنى أخشى أن لا يشهدوا موطنا إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا- وهم حملة القرآن- فيضيع القرآن وينسى، فلو جمعته وكتبته! فنفر منها أبو بكر وقال: أفعل ما لم يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم! فتراجعا فى ذلك، ثم أرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت، قال زيد: فدخلت عليه وعمر محزئل «٢»، فقال أبو بكر: إن هذا قد دعانى إلى أمر فأبيت عليه، وأنت كاتب الوحى، فإن تكن معه اتبعتكما، وإن توافقنى لا أفعل، قال: فاقتص أبو بكر قول عمر، وعمر ساكت، فنفرت من ذلك وقلت: نفعل ما لم يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم! إلى أن قال عمر كلمة: «وما عليكما لو فعلتما ذلك»؟ قال: فذهبنا ننظر، فقلنا: لا شىء والله، ما علينا فى ذلك شىء، قال زيد: فأمرنى أبو بكر فكتبته فى قطع الادم وكسر الأكتاف والعسب «٣»، فلما هلك أبو بكر وكان عمر، كتب ذلك فى صحيفة واحدة، فكانت عنده، فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة «٤»، زوج النبى صلّى الله عليه وسلم، ثم إن حذيفة بن اليمان «٥» قدم من غزوة كان غزاها بمرج أرمينية، فلم يدخل بيته


(١) أبو بكر الصدّيق هو عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن كعب بن تميم القرشى، أول من آمن من الرجال، وأول الخلفاء الراشدين- ت ١٣ هـ (الإصابة ٢/ ٣٣٣).
(٢) احزأل الرجل: اجتمع وتحفز ورفع صدره كالمتهيئ لأمر، فهو محزئل: منضم بعضه إلى بعض، جالس جلسة المستوفز.
(٣) الأدم: جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ، كانوا يكتبون فيه، والكسر: جمع كسرة، وهى القطعة المكسورة من الشيء، والأكتاف: جمع كتف، وهو عظم عريض فى أصل كتف الحيوان من الناس والدواب، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم يومئذ، والعسب: جمع عسيب، وهو جريد النخل إذا نحى عنه خوصه.
(٤) أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب، كانت صوامة قوامة- ت ٢٧ هـ (الإصابة ١/ ٢٦٤).
(٥) حذيفة بن حسل بن جابر العبسى، واليمان لقب حسل، صحابي من الولاة الشجعان الفاتحين توفى سنة ٣٦ هـ (الإصابة ١/ ٣١٧) والمرج: أرض واسعة تمرج فيها الدواب، أى تذهب وتجئ.

<<  <   >  >>