للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذى ثبت فى الأحاديث الصحيحة أن الصحابة الذين اختلفوا فى القراءة احتكموا إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوّب جميعهم فى قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم،

فقال صلّى الله عليه وسلم للذى ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: «إن الله أمرنى أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف».

ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك، لو كان تماريا واختلافا فيما دلّت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكان مستحيلا أن يصوّب جميعهم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته فى ذلك على النحو الذى هو عليه، لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا وجب أن يكون الله جلّ ثناؤه قد أمر بفعل شىء بعينه وزجر عنه- فى تلاوة الذى دلت تلاوته على النهى والزجر عنه- وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فعله، ولمن شاء منهم أن يتركه تركه، فى تلاوة من دلت تلاوته على التخيير.

وذلك من قائله- إن قاله- إثبات ما قد نفى الله جلّ ثناؤه عن تنزيله ومحكم كتابه فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً «١».

وفى نفى الله جلّ ثناؤه ذلك عن محكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق فى جميع خلقه لا بأحكام فيهم مختلفة «٢».


(١) النساء: ٨٢.
(٢) انظر تفسير الطبرى ١/ ٤٨ - ٤٩.

<<  <   >  >>