أن الجرائم التي يدل عليها الاتهام هي جرائم مستمرة، أكبر من أن تتحملها حكومة واحدة.. ولو أن معاليه اقتصر في دفاعه على نفس مسئولية حكومة الوفد عن هذه الجرائم، فربما كان هذا أفضل له، وأفضل لحكومته، وأفضل لمصر المسكينة التي ضاعت بين مختلف عهودها..
وبعد فإن الرأي العام كله يؤمن بأن هناك جريمة وطنية قد وقعت، وكل جريمة لا بد لها من فاعل..
فأين الفاعل؟
أين المجرم؟
لقد أثار مصطفى مرعي بك غبار الاتهام حول المليونير المصري المدعو عبد اللطيف أبو رجيلة، ومن تعامل معه في الصفقات التي باعها للجيش المصري..
وقد كانت إثارة هذا الاتهام في الوقت الذي لم تبرد فيه بعد جثث الشهداء، ولم تجف دماؤهم من فوق رمال فلسطين -كافية ليثور الرأي العام، وتثور الهيئات مطالبة برأس المتهم.. كان هذا يحدث في أي بلد من بلاد العالم، أما في مصر فلم يحدث منه شيء؛ بل لم يبقَ الاتهام معلقًا أربعة وعشرين ساعة حتى تتولى الحكومة التحقيق؛ إنما ظهرت الصحف كلها في اليوم التالي وقد نشرت دفاعًا مجيدًا يعدد فيه أبو رجيلة الخدمات الجليلة التي أداها لوطنه، ولم ترفض صحيفة واحدة نشر هذا الدفاع؛ بل رأت إحدى الصحف أن ليس من اللياقة أن تنشر اسم "أبو رجيلة" في محضر جلسة مجلس الشيوخ، وهو على ما هو عليه من ملايين، فحذفت اسمه من بين أقوال مصطفى مرعي بك، وأكتفت بأن تشير إليه بكلمة "واحد من الناس"، وبذلك اطمأن صاحب الملايين إلى أن الرأي العام معه، أو على الأقل قد سكت عنه، ما دامت الصحافة قد سكتت عنه؛ بل وأشادت بوطنيته.
ويستطيع أبو رجيلة بعد ذلك أن يتفرغ لبناء قطعة الأرض التي اشتراها -في شارع سليمان باشا- ودفع ثمنها نصف مليون جنيه "كاش"، واستقدم لها خمسة من كبار المهندسين لوضع رسوماتها، ويستطيع بعد ذلك أن يكتفي بابتسامة يوجهها إلى كل مصري يزور إيطاليا، وبخدمة أو خدمتين يقدمها له، فيطمئن إلى أن كل مصري سيشيد بكرامته