للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحماسته الوطنية..

وهذا حرام..

حرام في حق مصر، وفي حق الأخلاق، وفي حق المستقبل ... ولولا نقص المستندات لقلت كثيرًا، ولتحدثت عن شبان كان يُرجى منهم خير كثير لولا أن شجعهم سكوت الصحف وتضليل الرأي العام على اتباع طريق الحرام، ولتحدثت عن وزراء سابقين ورجال كبار كان يمكن أن يضعوا مواهبهم في خدمة مصر، لولا أنهم وجدوا في البيئة التي تحيط بهم ما يشجعهم على أن يعيشوا في خدمة أنفسهم على حساب مصر، وهم شبان ورجال اشتركوا جميعًا في صفقات الأسلحة التي كانت محل الاستجواب ...

وحتى لو كانت لدي المستندات الكافية لأقول كل شيء فماذا يجدي ما أقول، إذا وقفت وحيدًا، وليس في يدي سوى قلمي الضعيف، ماذا يجدي أن أصرح وأثور على الورق؛ بينما الكل من حولي قد سدوا آذانهم، وأعمى الجشع عيونهم؟!!

وقد يكون عبد اللطيف أبو رجيلة ومَن على شاكلته أبرياء؛ ولكن براءتهم التي قد تثبت فيما بعد، لا تنفي أنهم اليوم محل اتهام في جريمة لم تستطع أقوال الحكومة أن تنفيها أو تردها.. وهي جريمة لن يقضى على أثرها، إلا ظهور فاعلها وإدانته.. وعندما أطالب بأن تسعى الحكومة جهدها، وأن تنسى جميع الاعتبارات؛ لتكشف عن هذا الفاعل، وتحصر مسئوليته، وتحاكمه بتهمة الخيانة العظمى، فإني لا أرمي إلى الانتقام للجريمة؛ بل أرمي إلى ما هو أهم وأسمى وأخطر.. أرمي إلى إعادة الثقة والاطمئنان إلى ضباط الجيش وجنوده.. فإن كل ضابط وجندي -وأقولها صريحة- لم يعد يطمئن بعدما سمعه في قاعة مجلس الشيوخ إلى سلاحه وذخيرته.. وعندما يفقد الجندي ثقته بسلاحه، فقد ثقته بنفسه، وفقد روح القتال.

وضاع مستقبل مصر!! ولن يستعيد الجندي المصري ثقته بسلاحه وبنفسه إلا إذا اطمأن إلى أن الحكومة جادة في اتهامات ديوان المحاسبة -وهو الرقيب الأعلى في الدولة- واطمأن إلى أن وزارة الدفاع قد طهرت، وطهر المتعاملون معها من كل شائبة، ومن كل شك..

واتقوا الله في مصر، وفي جنود مصر، وفي ضباط مصر١..


١ روزاليوسف - ٦ يونيو سنة ١٩٥٠.

<<  <   >  >>