للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ويلاحظ أن حملة الأسلحة الفاسدة بدأت بمقال صحفي.. ولم تبدأ بخبر أو حديث أو تحقيق أو تقرير صحفي.. ويعود ذلك إلى أن الطابع العام الذي كان يميز هذه المرحلة في تاريخ الصحافة المصرية هو طابع الرأي.. فقد كانت الصحافة المصرية في هذه الفترة صحافة رأي وليست صحافة خبر.. لذلك كان من الطبيعي أن يكون المقال هو الأداة الصحفية المناسبة لبدء هذه الحملة.

وهناك ملاحظة أخرى.. أن المقال الذي بدأت به الحملة.. قدم وجهة نظر بدلًا من المعلومات والبيانات والوثائق الخاصة بالموضوع.. وهي نقطة ضعف خطيرة في مثل هذه الحملات التي تهدف إلى تنظيف المجتمع من الفساد.. إذ لو كانت الحكومة قد ردت على المقال بوثيقة واحدة تؤكد سلامة الأسلحة لانهارت الحملة قبل بدايتها.. ولكن وجد عاملان هامان ساعدا على استمرار الحملة ونجاحها فيما بعد:

العامل الأول: أن الأسلحة التي استخدمت في حرب فلسطين كانت فاسدة بالفعل.. وهو الأمر الذي أضعف موقف الحكومة في الرد.

العامل الثاني: أنه رغم أن كاتب الحملة قد بدأ الكتابة دون أن يملك سندًا واحدًا يثبت به دعواه.. إلا أنه كان يعتمد على أن مجرد نشر المقال.. سوف يدفع بعض من يملكون الأدلة والوثائق من قراء الصحيفة أن يتقدموا بها إليه.. وقد يكون ذلك بفعل الرغبة في خدمة العدالة ومصلحة الوطن.. أو قد يكون بفعل مصالح خاصة ولتصفية حسابات شخصية.. وقد تحقق ما توقعه الكاتب بالفعل.. فيذكر إحسان عبد القدوس في مذكراته:

بعد عدة أيام، فوجئت بأحد الأشخاص، كنت أعرفه منذ فترة طويلة أثناء الطفولة، جاءني في روزاليوسف، كان شابًّا ولكنه يبدو عليه أنه ميسور الحال، اسمه علي عبد الصمد، وبدأ يحكي لي عن عمليات استيراد الأسلحة. وإذا به يحضر لي مستندات عن عمليات قام بها عدد من الضباط والأمير عباس حليم، لاستيراد أسلحة قديمة، من إسبانيا، من فرنسا، من بلاد أخرى.

وأثناء حديثه وقعت مفاجأة أخرى بالنسبة لي.. أنه هو نفسه يقوم بعمليات استيراد أسلحة، وأن هذه المستندات التي

<<  <   >  >>