- الجبهة الثانية التي فتحها حيدر باشا وهزم فيها!..
إن الذين يطالبون باستقالة الفريق حيدر باشا يترفقون به أكثر مما يحقدون عليه.. وأنا من المترفقين بحيدر باشا المشفقين عليه؛ ولكني رغم ذلك لا أطالبه بالاستقالة؛ وإنما أطالب بالتحقيق معه.. فاستقالة سعادته ليست سوى اعتراف منه بالخطأ أو بالفشل، وهو اعتراف بينه وبين نفسه لا يستفيد منه الجيش، ولا تاريخ الجيش، ولا يصون التقاليد المتبعة في جميع جيوش العالم، والتي تقضي بالتحقيق في أسباب الفشل أو الخطأ أو الهزيمة، ثم تسجيل هذه الأسباب في ملف رسمي يرجع إليه عندما يحتاج القادة إلى موعظة أو إلى درس يوفر عليهم الوقوع في نفس الخطأ ويجنبهم هزيمة جديدة..
وقد أخطأ من قبل قائد آخر هو الفريق عطا الله باشا، وتكررت أخطاؤه حتى ثار عليه بعض ضباط الجيش كما هو معروف، فماذا كانت نتيجة هذه الأخطاء؟
لقد استقال سعادته أو طلب إليه أن يستقيل، ثم نُسي كل شيء بعد حين!!
وكان أن تكررت نفس الأخطاء بعينها في عهد قيادة حيدر باشا؛ بل إننا لو استعرضنا الأيام والحوادث، لظننا أن هذه الأخطاء قد تكررت عن عمد، وأن سياسة المشرفين على الجيش هي سياسة التمادي في كل ما هو خطأ.. ولو كان الفريق عطا الله باشا قد قدم إلى مجلس تحقيق، وسجلت عليه أخطاؤه، وبحثت أسباب هذه الأخطاء لانتهت استقالته -أو إقالته- بتعديل نظم الجيش، وتعديل السياسة المشرفة عليه، ولاستطاع حيدر باشا أن يرجع إلى ملف هذا التحقيق؛ ليوفر على نفسه ما تعرض له سلفه!
وقد قلت: إني مشفق على حيدر باشا.. وإني مشفق عليه من ألسنة الناس، سواء منهم الحكوميون أو المعارضون، وسواء منهم الرسميون أو غير الرسميين، وسواء منهم الكبار أو الصغار، وهي ألسنة حداد لم ترحم حيدر باشا، ولم تحفظ له هيبته ووقاره، وهو الرجل الذي عاش عمره لا يملك سوى الهيبة والوقار..