للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل يريد سعادته أن يستمع إلى مثل من أمثلة الشجاعة والغيرة حدث في مثل موقفه اليوم؟!

لقد طلب المريشال بيتان عقب هزيمة الجيش الفرنسي في أوائل الحرب الأخيرة، وفي عهد الاحتلال الأماني أن يؤلف مجلسًا لتحقيق أسباب هزيمة الجيش الفرنسي، وتحديد المسئولين عن الهزيمة.. طلب بيتان إجراء هذا التحقيق وهو القائد الأول للجيش الفرنسي، وكان يمكن أن ينتهي المحققون إليه ويحملونه المسئولية وحده؛ ولكنه وضع التقاليد العسكرية ومصالح جيشه فوق سلامته ومصلحته الشخصية، كما واقفت ألمانيا على إجراء هذا التحقيق رغم قيام احتلالها لفرنسا، ورغم ما كان يجره التحقيق من إثارة ضباط الجيش وتحمسهم لجيشهم، لا لشيء إلا لأنها دولة عسكرية تقدر تقاليد الجيوش، حتى لو كانت جيوش أعدائها..

ذلك موقف يستحق عليه صاحبه لقب شجاع وشهم وغيور، وإذا أراد من سلسلة هذه المقالات عله يتحمس فيختم عمره الطويل بموقف يؤهله لصفحة معالي الفريق حيدر باشا أن يستزيد من هذه المواقف، فليرجع إلى المقال الأول من صفحات التاريخ، وعله يفكر أن يحمي شيخوخته من كل ما يسمعه وما لا يسمعه!

أما الحكومة فموقفها من هذا العناد غامض، فإني أعلم أنها لن تلح طويلًا على سعادة حيدر باشا إذا قكر سعادته في الاستقالة، كما أنها لن تتردد طويلًا إذا وجدت الظروف التي تتيح لها التحقيق معه.

وهنا أسمح لنفسي بسؤال معالي وزير الحربية: هل يعتقد معاليه أن حالة الجيش تحتمل الاستسلام للظرف؟

لقد كانت إحالة التحقيق في صفقات الأسلحة المغشوشة إلى النيابة العمومية إجراء حاسمًا طمأن ضباط الجيش وجنوده، وهدأت نفوسهم في انتظار نتائجه..

وحيدر باشا كان -وهو وزير للحربية- أخطر على الجيش من الأسلحة المغشوشة، فإن السلاح المغشوش قد يتغلب عليه القائد الصالح، أما القائد القاصر فقد ينهزم حتى لو لم يكن السلاح مغشوشًا!

<<  <   >  >>