فلماذا لم يحقق مع حيدر باشا كما حقق في الأسلحة المغشوشة؟! بل لماذا لا تقدمني الوزارة إلى النيابة للتحقيق معي في هذه المقالات إحقاقًا للحق وإزهاقًا للباطل، كما جاء في بلاغ الوزارة الذي قدمتني به إلى النيابة العمومية للتحقيق معي فيما كتبته عن صفقات الأسلحة؟!!
إني مندهش، ومصر كلها في دهشة!!
ثم هناك رجل كنت أعتقد أنه سيؤيدني في مطالبتي بالتحقيق مع معالي الفريق حيدر باشا، وهو اللواء أحمد محمد علي المواوي بك..
فهذا الرجل مظلوم، وأستطيع أن أرى مما بين يدي من وقائع أنه كان مجبرًا على أمره، مسيرًا ولا مخيرًا، وأستطيع لو طلبني محاميًا عنه في التحقيق -لولا أن نقابة المحامين قد نقلت اسمي إلى جدول غير المشتغلين- أن أعدد له مواقف عديدة حاول فيها أن يتجنب الأحداث الجسام التي وقعت خلال الحملة.. ولكن المواوي بك لم يطلب التحقيق في أسباب انسحاب الجيش من فلسطين، وتحديد المسئولية عن هذا الانسحاب، ولا أظنه سؤيدني في هذا الطلب، وقد علمت -أو بلغني- أن عزته قد شرح لمعالي وزير الحربية الحالي كل ما حدث في فلسطين؛ ولكنه عندما سنحت له الفرصة ليسجل هذا الشرح في تحقيق رسمي أَبَى أن يتكلم..
وأخيرًا، لا أستطيع إزاء هذا العناد، إلا أن أستمر في الكتابة؛ بل إني لا أكتب إنما أنقل.. أنقل الهمسات المحبوسة في صدور الضباط والجنود الأبطال، وأنقل آيات السخط من فوق شفاه أرامل وأيتام الشهداء، وأنقل المعلومات الخطيرة التي تتململ في ظلام الأدراج..
القائد العبقري:
وقد تكلمت في المقال الأول عن تدخل حيدر باشا في سلطات القواد، وفي اختيار الضباط، وفي إخفاء خبر الحملة عن قائدها العام حتى الأيام الأخيرة..
وتكلمت في المقال الثاني عن مسئولية دخول الجيش فلسطين بلا استعداد ولا تدريب، وبلا أسلحة صالحة..
وهذا المقال خاص بمسئولية سعادته عن وضع الخطة الحربية التي اتبعت في "تأديب عصابات اليهود"، والتي انتهت بالانسحاب من فلسطين..