للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القانون الجنائي، وليس جريمة تمس الشرف؛ إنما هو نصيب من الأنصبة التي يوزعها الله على الناس -وله في ذلك حكمة- وأصحاب هذا النصيب كان يجب أن يبعدوا عن التصرف فيما لا طاقة لهم على التصرف فيه، ثم كان يجب أن تسجل عليهم الأخطاء التي سببها عجزهم؛ حتى يتجنبها من يلي مناصبهم بعدهم، وكل هذا لا يتأتى إلا بمجلس تحقيق..

أقول: إنه ليس خيالًا أن يطلب حيدر باشا القائد العام التحقيق مع حيدر باشا الوزير السابق؛ إنما هي حقيقة واقعية، لا يقدم عليها إلا الشجعان، ولو أقدم عليها حيدر باشا لدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ولترك لمصر سابقة تعتز بها وتباهي بذكراها الأمم..

ويبدو أن حيدر باشا لم يتعود مباهاة الأمم بشيء، فهذا هو المقال الرابع الذي أكتبه عنه وله، دون أن يفكر سعادته في أن يتحرك لا إلى الأمام ولا إلى الوراء..

هل يتجاهلني؟..

إنه لو تجاهلني، فلا يستطيع أن يتجاهل القراء، ولا يستطيع أن يتجاهل الرأي العام، ولا يستطيع أن يتجاهل هذه الهمسات التي ملأت أذنيه، وسدت عليه منافذ المستقبل.

إنه لا يتجاهل؛ ولكنه يقف صامتًا عاجزًا، لا يستطيع حتى أن يقفل عينيه؛ كي لا يرى الرجال الذين كانوا يحيطون به أثناء وزارته، والذين أطلق أيديهم، وأسبغ عليهم حمايته وثقته، وهم يتساقطون من حوله كأوراق الخريف، دون أن يستطيع أن يمد لهم يدًا، أو يدفع عنهم عقابًا أنزل بهم..

إن القلم حائر بين أصابعي! هل أرثي له أو أتحداه؟ هل أبكي عليه أو أصرخ في وجهه؟ هل أطالب بالتحيق معه أو أطالب أن يشفقوا به؟!

ما كان أغناني!!

ما كان أغناه!!

لولا أن عليَّ واجبًا يجب أن أؤديه، وعليه واجبًا لم يؤده حتى الآن!

<<  <   >  >>