للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأخلاقي، والروحي، سواء في ذلك الفرد أو الأمة. ولكن هذا كله يبدو في عيني العدالة السماوية غير كاف.

أولًا: لأن هذه كلها عينات ومقدمات للعدالة الكلية، فالجزاءات الإلهية التي تبرز لنا في هذا العالم ليست شاملة، ولا كاملة، وهي ليست في ذلك أكثر من الجزاءات الطبيعية، والجزاءات الإنسانية. فإما أنها ليست شاملة فالله يقول: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} ١، وأما أنها ليست كاملة، فالله يقول: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} ٢.

وبعد ذلك؛ لأن السعادة وضروب التعاسة مختلطة بعضها ببعض، في هذه الدنيا، فالصالحون يدفعون في الواقع ثمن أخطائهم، حق ما كان منها لممًا، من آلامهم، وما يلقون من عقبات في هذه الدنيا، والله يقول: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} ٣، ويقول: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} ٤، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ٥ -هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إن أحلك القلوب ظلمة، وأشد النفوس سوادًا لا تعدم أن تفعل بعض الخير، ولقد تكون هذه الأفعال مغرضة، أو عفوية، أعني: غاب فيها الإيمان بسلطة الأمر. ومع ذلك فإن هؤلاء لن يحرموا حرمانًا كاملًا من أجرهم، بل إن لهم على العكس مكافأة مضمونة، تدفع لهم فورًا، من طيبات هذه الدنيا. بحيث تبقى جرائمهم دون مقاصة، تنتظر الفصل يوم الدين، فـ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ


١ الشورى: ٣٠.
٢ آل عمران: ١٨٥.
٣ آل عمران: ١٥٣.
٤ آل عمران: ١٦٥.
٥ النساء: ٧٩.

<<  <   >  >>