للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٣- الإفراط في التأويل والتقدير، وحمل الأساليب العربية على غير ظاهرها. وقد سبق أن ضربنا مثالًا لذلك تقدير "أن" مضمرة بعد الفاء ونصب الفعل "بأن" هذه ثم اعتبار الفاء حرف عطف، عطفت المصدر المؤول من أن المقدرة ومدخولها على المصدر المتصيد من اللام السابق! وتقدير نحو: "ذاكر فتنجح"، لتكن منك مذاكرة فنجاح!! ولا أدري ماذا منع العربي أن يقول هذا إن كان هو مراده؟.

وقد بدأت مثل هذه التأويلات من اللحظة الأولى لوضع النحو، فالتأويل السابق هو من عمل الخليل -سامحه الله- وقد نتج بذلك بابًا أمام النحاة يصعب قفله الآن. ومن تأويلاتهم العجيبة ما يقوله المبرد في إعراب قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} . يقول المبرد إن فاعل "بدا" مصدر مقدر، وتأويل الآية: ثم بدا لهم بدو. ولكن حذف بدو من الكلام لأن "بدا" تدل عليه. ولا معنى لكل هذا الكلام لأن "ليسجننه" جملة في موضع الفاعل - على حد تعبير ابن ولاد. ويستمر ابن ولاد قائلًا: "وأما قوله: إنه يضمر فيه البدو، فإنما نضمر إذا كان الكلام محتاجًا إلى الإضمار ناقصًا عن التمام.

فأما إذا كان الكلام تامًّا مفيدًا، فلا حاجة بنا إلى الإضمار"١.

٤- استخدام العلل الثواني والثوالث في النحو، ذلك مثل سؤالهم عن زيد من قولنا: قام زيد: لم رفع، وإجابتهم: لأنه فاعل وكل فاعل مرفوع، ثم سؤالهم: ولم رفع الفاعل؟ وإجابتهم للفرق بين الفاعل والمفعول، ثم سؤالهم: ولِم لم تعكس القضية فينصب الفاعل ويرفع المفعول، وإجابتهم بأن السبب أن الفاعل قليل، لأنه لا يكون للفعل إلا فاعل واحد، فأعطى الأثقل الذي هو الرفع للفاعل، وأعطى الأخف الذي هو النصب للمفعول ليقل في كلامهم ما يستثقلون٢!! ولا أدري بماذا يجيبون لو سألتهم: ولكن لكل فعل فاعل، وليس لكل فعل


١ الانتصار لسيبويه من المبرد، ص ٢١٢- ٢١٣.
٢ الرد على النحاة لابن مضاء.

<<  <   >  >>