"ب" أنه يجبه الوقوف عند المادة اللغوية المسموعة، ولا يجوز تصحيح ما لم يرد عن العرب بمقتضى القياس النظري فهناك من الأساليب والكلمات ما يصح في القياس ولكنه لم يسمع، فيجب أن نقف عند ما قالته العرب ولا نغيره.
يقول ابن ولاد:"لا ينظر إلى القياس فقط دون ما تتكلم به العرب. فإن العرب يمتنعون من التكلم بالشيء وإن كان القياس يوجبه، ويتكلمون بالشيء وإن كان القياس يمنعه".
ويقول:"سبيل النحويين اتباع كلام العرب إذ كانوا يقصدون إلى التكلم بلغتهم. فأما أن يعملوا قياسًا -وإن حسن- يؤدي إلى غير لغتها فليس ذلك لهم، وهو غير ما بنوا عليه صناعتهم".
"جـ" كذلك هاجم ابن ولاد التأويل والتقدير في النحو، وادعاء الحذف والإضمار، وقد سبق أن مثلنا لذلك بإعراب قوله تعالى:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ١.
وأما أبو العلاء المعري فتتمثل دعوته إلى الإصلاح في ثورته العارمة على مبدأ التأويل والتقدير. ولم يكن هناك ما يغيظه أكثر مما كان يقرؤه ويسمعه من تأويلات النحاة، وتكلفاتهم، وتخريجهم بعض الأبيات على غير حقيقتها للاستشهاد بها على آرائهم الخاصة. وكثير من نقده ينصب على هذا الجانب من نحو النحاة.. وقد سدد المعري معظم سهامه إلى نحاة البصرة الذين أكثروا من التأويل والتقدير، وتعسفوا غاية التعسف في تخريج كثير من الشواهد لتستقيم من أصول مذهبهم.
وقد امتلأت مؤلفات المعري بأمثله لذلك ولكننا سنكتفي بعرض نماذج منها:
"أ" يمنع سيبويه وكثير من النحويين أن يلي كان معمول الخبر، وهم يؤولون ما ورد كذلك ويقدرون ما يستغنى الكلام عنه، كما قالوه في قول الشاعر:
١ انظر أيضًا مقالنا عن كتابه "الانتصار" في مجلة كلية المعلمين، الجامعة الليبية، العدد الأول.