للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما الفريق الثاني -وهو الذي يهمنا - فقد وضع لصحة القراءة شرطًا واحدًا هو صحة الرواية عن القارئ العدل حتى لو كان فردًا، وسواء رويت القراءة بطريق التواتر أو الآحاد، وسواء كانت سبعية أو عشرية أو شاذة.

بل إن ابن جني في كتابه "المحتسب" كان حريصًا على وضع القراءة الشاذة على قدم المساواة مع القراءة السبعية، وذلك في قوله: "إنه نازع بالثقة إلى قرائه، محفوف بالرواية من أمامه وورائه. ولعله أو كثيرًا منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه".

وإذا كان اللغويون لم يشترطوا النقل المتواتر في أي نص لغوي؛ فلماذا يشترطونه في القراءة القرآنية. وإذا كانوا قد صرحوا بقبول نقل الواحد إذا كان الناقل عدلًا رجلًا كان أو امرأة، حرًّا كان أو عبدًا١ فلماذا يوضع قيد على قبول القراءة دون غيرها؟ بل أكثر من هذا يصرح السيوطي بأن العدالة وإن كانت شرطًا في الراوي فهي ليست شرطًا في العربي الذي يحتج بقوله.

وإلى جانب عدم اشتراط اللغوي للتواتر لم يشترط اتصال السند ورفعه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- واللغويون بهذا يتعاملون مع القراءة على أنها نص عربي رواه أو قرأ به من يوثق في عربيته على فرض التشكك في نسبة القراءة إلى الرسول.

وبهذا يدخل في باب الاحتجاج اللغوي كثير مما عده القراء من باب التفسير أو الشرح اللغوي.

أما شرط موافقة القراءة لأحد المصاحف للعثمانية؛ فلا يتقيد به اللغوي كذلك. بل هو يرى في هذا الشرط حدًّا من فائدة تعدد القراءات وإضاعة للحكمة من تشريعه، وهي التخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها كما سبق أن ذكرنا.

إن العادات النطقية والقدرة على التلفظ ببعض الأصوات دون بعض إنما ترتبط بالجانب الصوتي لا الكتابي. وإلا فأي صعوبة نطقية تتحقق


١ الاقتراح للسيوطي ص ٨٦.

<<  <   >  >>