للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن بينا، وإنما نعيب عليهم وصفهم بعض القراءات بأنه قبيح أو رديء أو وهم أو غلط١. وقد كان في إمكانهم أن يصفوها بأنها جاءت على لهجة محلية أو أقل فصاحة فلا تبني عليها قاعدة، دون أن يطعنوا على القارئ أو يشككوا في صحة القراءة. ونحن لا ندعي -ولا غيرنا- أن القراءات كلها على مستوى واحد من الفصاحة٢، فما هي في معظم حالاتها إلا تمثيل للهجات، واللهجات تتفاوت فيما بينها في درجات الفصاحة، ولهذا يقول أبو نصر القشيري: "فإننا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة"٣.

وقد كان الطبري أكثر توفيقًا في تعليقه على بعض القراءات حين كان يقول: "وأعجب القراءتين إليّ كذا"، وكذلك كان الفراء في تعليقات له مثل "وأنه لأحب الوجهين إليّ"، ومثل: "ولست أشتهي ذلك".


١ من سوء تعبيرهم قول المبرد عن قراءة لأبي عمرو: "هي لحن لا يجوز في كلام ولا شعر"، وقوله عن قراءة أخرى: "لو صليت خلف إمام يقرأ بها لأخذت نعلي ومضيت"، وقول الزمخشري عن قراءة لابن عامر أنها "شيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجًا مردودًا فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في القرآن".
٢ لم أجد أحدًا من الباحثين قد وضع القرآن وقراءاته في مستوى واحد من الفصاحة إلا الأستاذ عباس حسن الذي قال: "بعض القراء قرأ: "ما ودعك"، أفيكون هذا شذوذًا في الاستعمال مع قراءة القرآن به، وكيف يتفق القول أن يكون القرآن أسمى لغة عربية بيانية مع اشتماله على الشاذ"؟ "مجلة رسالة الإسلام العدد ٣ السنة ١٠ ص ٢٨٤". وهو هنا يخلط بين حقيقتين متغايرتين ويثبت لإحداهما ما هو للأخرى.
٣ القراءات واللهجات ص ١٣١.

<<  <   >  >>