وتلك القبائل التي اتهمت في فصاحتها؟ ولِم أخذوا عن قريش ورفضوا الأخذ عن غيرها ممن وجد في حالة مشابهة لحالتها١؟.
ويلاحظ أن علماء اللغة جميعًا في حال الرواية لم يجيزوا الاعتماد على النص المكتوب، وإنما استندوا أساسًا على المشافهة والتلقي، وحذروا العالم من الاعتماد على النص المدون، وحذروا المتعلم من تلقي العلم على من يفعل ذلك. ومن أقوالهم المشهورة:"لا تأخذوا العلم عن صحفي، ولا القرآن عن مصحفي". وهم بذلك لا يختلفون كثيرًا عن المنهج الحديث الذي يعتمد على الراوي اللغوي، ويعتمد على الكلام المنطوق دون المكتوب.
ولكننا نأخذ عليهم بعض مآخذ مثل:
١- عدم استمرار المشافهة طوال فترة الدراسة، ولجوء بعضهم إلى مشافهات الآخرين يعتمدون عليها.
٢ تكميل الثغرات بالمنطق والقياس لا بمعاودة المشافهة.
٣ اعتقادهم أن اللغة شيء وراثي يتناقله الأبناء عن الآباء وترضعه الأمهات للأطفال. ولهذا سيطرت عليهم فكرة ارتباط الفصاحة بالجنس ارتباطًا وثيقًا، وأنكروا على الفارسي أو اليوناني إمكان اتقان اللغة العربية كما يتقنها أهلوها من العرب مهما بذلوا في تعلمها، وثابروا في المران عليها، وتلقوها منذ الصغر، ومهما كان حضورهم مبكرًا إلى الجزيرة العربية، ولو أجنة في بطون أمهاتهم، ومهما كان حظهم من الثقافة العربية. ولهذا كان اللغويون العرب يرفضون الأخذ عن ابن المقفع لأصله الفارسي، برغم فصاحته وتلقيه اللغة منذ نعومة أظفاره،
١ انظر تعليق الدكتور عبده الراجحي على تفضيل قريش: اللهجات العربية في القراءات القرآنية ص ٤١ وما بعدها.