ويكفي الهنود فخرًا أن تكون جهودهم الصوتية هي الأساس الذي بني عليه علماء الأصوات المحدثون. يقول بروفسر ألن:"إن الاتصال بين الهنود القدماء والمدارس الغربية الحديثة في دراسة اللغة أشد وأوثق في مجال الأصوات عنه في مجال النحو". ويعترف العلامة فرث الإنجليزي أن المدرسة الأصواتية الإنجليزية لم تنشأ في القرن التاسع عشر إلا على أكتاف المعلومات التي قدمها وليم جونز عن النحاة والأصواتيين الهنود.
وأما في مجال النحو، فإنه من غير المبالغ فيه أن نقول: إن هذا العلم لم يلق من العناية في أي بلد من بلاد العالم مثل ما لقيه من الهنود. وقد كان في الهند القديمة ما يقرب من اثنتي عشرة مدرسة نحوية مختلفة، وأكثر من ثلثمائة مؤلف في النحو، ووصلتنا فعلًا دراسات تزيد على الألف عدًّا بعضها أصلي وبعضها شارح.
ويمثل بانيني١ فترة النضج في الدراسات النحوية عند الهنود، ولذا نال كتابه المسمى "الأقسام الثمانية" شهرة غطت على أي مؤلف آخر سبقه أو لحقه. وقد كتب بانيني تأليفه في شكل قواعد مختصرة، وبذل فيه جهدًا ضخمًا للتوفيق بين الآراء والاتجاهات المتعارضة التي كانت موجودة حينئذ.
وأهم ما يميز النحو الهندي:
١ اختلف بدرجة كبيرة في تحديد زمنه. وأشهر الآراء أنه كان موجودًا بين عامي ٧٠٠و ٦٠٠ ق. م، وقد وصلنا فعلًا كتاب بانيني المسمى Ashtadhyayi" "الأقسام الثمانية" واحتفل به العلماء وترجموه إلى لغات عدة. وقد نال عمل بانيني شهادات التقدير من القدماء والمحدثين على السواء، فقد قال عنه باتنجالي "١٥٠ ق. م": " أنه محيط واسع من العلم". وقال عنه ماكس مولر: "لا يوجد نحو في أي لغة يمكن أن يعادل نحوه". وقال بلومفيلد: "إن نحو بانيني يعد واحدًا من أعظم الشواهد القديمة على تقدم العقل البشري". وقال روبنس: "بين كل النحاة الهنود يقف اسم بانيني متميزًا عن غيره".