للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر الحق -تبارك- أن القرآن الكريم، قد جاء بالبرهان الساطع والنور المبين، قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:١٧٥].

يقول الإمام ابن كثير، في تفسير هذه الآية:

"يقولُ الله مخاطباً جميع الناس، ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهانٌ عظيم، وهو الدَّليل القاطع للعذر والحجَّة، والمُزيل للشُّبهة، ولهذا قال -تعالى-:

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}، أي ضياءً واضحاً على الحقِّ".

ولقد وضع القرآن الكريم، قواعد الإقناع وأصول المحاجَّة الفكرية والمجادلة، كما يلي:

١ - أن لا يجادل الإنسانُ إلا في الحقِّ، وألا يُحاجج إلا عن علم ويقين، فقد زعم اليهود والنصارى انتساب إبراهيم -عليه السلام- لكلٍّ منهما، وهذا جهل منهم بحقائق العلم والتاريخ، فإنَّ زمنه -عليه السلام- كان قبل نزول التوراة على موسى والإنجيل على عيسى -عليهما السلام-، فكيف يتجادلون ويتحاجُّون في أمر يتصادمُ مع العقل، قال تعالى:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالأِنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [آل عمران:٦٥ - ٦٦].

٢ - نهى القرآنُ الكريم العقلَ، عن أن يحاجج في الأمور البديهية والمسلَّم بها، ومن ذلك طلبُ الحجة على وجود الله، فهذا أمر ثابت بالفطرة وبالآيات الكونية وببعثة الرسل وإنزال الكتب، وتصريف شؤون الكون وتدبير أحوال الخلق، ورغم هذا كلِّه يطلبون مزيداً من الحجج تعسُّفاً، قال تعالى:

{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى:١٦].

<<  <   >  >>