للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"خرج منها نور أضاء لها قصور الشام"١.

وحدثت آمنة وحيدها وأثيرها محمدا صلى الله عليه وسلم برؤياها قريرة متفائلة بمستقبل ولدها. فلما أوحي إليه أدرك أنها إحدى أمارات النبوة فحدث بها٢.

فهل نجد ما يشبه هذه البشارة لدى أمهات الأنبياء والرسل؟ هل كانت تصدر إليهن الإشارات الإلهية بمستقبل الصغير المنتظر؟ نعم, كانت هذه الإشارات إلى بعضهن أبلغ في الدلالة وأجلى في الصراحة, بل كانت إعلاما وإخبار مكشوفا. فأخبر الله أم موسى عليه السلام وموسى في أيامه الأولى {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} ٣ وأعلم الصديقة مريم بمستقبل عيسى قبل أن تلقى إليها الكلمة. . {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ٤ ولا شك أن وضع الصديقة الفريد كان أحوج إلى وضوح الإعلام من آمنة ومن أم موسى, إذ كانت تحتاج إلى أن تصدق نفسها في أمرها حتى تقوى على الصمود في وجه تكهنات الناس وتخرصاتهم. ومن ثم حمل عيسى عليه السلام معه آيه خلقه ونبوته عندما نادى أمه من تحتها حين وضعته٥ وفي مخاطبته المجتمع المستنكر المتهم وهو في المهد٦.

كذلك بشرت الملائكة نبي الله زكريا بحيي عليه السلام٧, ومن قبل جاءت إبراهيم البشرى بإسحاق ويعقوب٨هذه الدلائل هنا صريحة ولإعلام أم موسى بها, ومريم وزكريا وإبراهيم وزوجه إعلاما مكشوفا, أسباب لا تخفى, ولم يكن سبب منها لآمنة. فكان رؤياها النور الذي أضاء لها القصور من بصرى الشام رمزا للمستقبل. ولو أن الأمر يتطلب ما فوق الرمز لجاءها من الله بيان. ولكنها أعطيت ما يكفيها لتتنبه لشأن وليدها. ولم يعترض حياتها وحياة وليدها من الظروف النادرة أو الخطرة أو المغايرة للمألوف - كظرف إبراهيم


١ السيرة لابن هشام: م١ ص١٦٦.
٢ المصدر نفسه.
٣ القصص: ٧.
٤ آل عمران: ٤٥.
٥ مريم ٢٣: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} .
٦ مريم ٣١: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} .
٧ آل عمران ٣٩: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} .
٨ هود ٧١: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} .

<<  <   >  >>