للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعلت أردد عليه هذا الكلام؛ وكان في المجلس جماعة حتى فهمه فهما جيداً، وتبين له وللحاضرين أن قولهم باطل لا حقيقة له، وأن ما أثبتوه للمسيح إما ممتنع في حق كل أحد، وإما مشترك بين المسيح وغيره؛ وعلى التقديرين فتخصيص المسيح بذلك باطل.

وذكرت له أنه ما من آية جاء بها المسيح إلا وقد جاء موسى بأعظم منها؛ فإن المسيح -صلى الله عليه وسلم- وإن كان جاء بإحياء الموتى، فالموتى الذين أحياهم الله على يد موسى أكثر كالذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} [البقرة:٥٥] ثم بعثهم الله بعد موتهم كما قال: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البقرة:٥٦] وكالذي ضرب ببعض البقرة وغير ذلك.

وقد جاء بإحياء الموتى غير واحد من الأنبياء، والنصارى يصدقون بذلك.

وأما جعل العصا حية: فهذا أعظم من إحياء الميت فإن الميت كانت فيه حياة فردت الحياة إلى محل كانت فيه الحياة، وأما جعل خشبة يابسة حيواناً تبتلع العصي والحبال: فهذا أبلغ في القدرة وأندر، فإن الله يحيي الموتى ولا يجعل الخشب حيات.

وأما إنزال المائدة من السماء: فقد كان ينزل على قوم موسى كل يوم من المن (١) والسلوى (٢) وينبع لهم من الحجر من الماء: ما هو أعظم من ذلك، فإن الحلوى أو اللحم دائماً هو أجل في نوعه وأعظم في قدره مما كان على المائدة؛ من الزيتون والسمك وغيرهما.

وذكرت له نحوا من ذلك؛ مما يبين أن تخصيص المسيح بالاتحاد ودعوى الإلهية ليس له وجه وأن سائر ما يذكر فيه إما أن يكون مشتركاً بينه وبين غيره من


(١) قال الربيع بن أنس: المن: شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه. وقيل هو العسل نفسه. انظر: تفسير الطبري (٢/ ٩٢).
(٢) قال الطبري: السلوى: طائر يشبه السُّماني. ونقل ذلك عن ابن مسعود، والسدي وقتادة ومجاهد. انظر: تفسير الطبري (٢/ ٩٦).

<<  <   >  >>