للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنفرد الذي أحاط به عدوه الشديد حَرْدُه ـ الغضب والغيظ، القوي مكره، الذي جمع كل كيده ليوقع به أشد الأخذات وأعظم النكبات، وتخلصه وانفراج الأمر له، من أعظم أنواع النصر.

كما ذكر الله هذه الحال التي عاتب بها أهل الأرض، فقال: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، [التوبة: ٤٠] ،.

وقريب من هذا نصره له يوم حنين، حيث أعجبت المسلمين كثرتهم، فلم تغن عنهم شيئا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا مدبرين وثبت الله نبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه سكينته ونصره في هذه الحال الحرجة، فكان لهذا النصر من الموقع الكبير ما لا يعبر عنه، وكذلك ما ذكره الله من الشدائد التي جرت على أنبيائه وأصفيائه، وأنه إذا اشتد البأس، وكاد أن يستولي على النفوس اليأس، أنزل الله فرجه ونصره ليصير لذلك موقع في القلوب وليعرف العباد ألطاف علام الغيوب.

ويقارب هذا: إنزاله الغيث على العباد، بعد أن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين، فيحصل من آثار نعمة الله والاستبشار بفضله، ما يملأ القلوب حمداً وشكراً وثناء على الباري تعالى.

وكذلك يذكرهم نعمه بلفت أنظارهم إلى تأمل ضدها، كقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} ، [الأنعام: ٤٦] ، وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ {٧١} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ {٧٢} وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، [القصص: ٧١-٧٣] ،.

ونلمح مثل هذا المعنى في قصة يعقوب وبنيه: حين اشتدت بهم الأزمة ودخلوا على يوسف، وقالوا: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} ، [يوسف: ٨٨] ، الآية ثم بعد

<<  <   >  >>