من قواعد التعليم التي أرشد الله إليها في كتابه، أن القصص المبسوطة يجملها في كلمات يسيرة ثم يبسطها، وأن الأمور المهمة ينتقل في تقريرها نفياً وإثباتاً من درجة إلى أعلى أو أنزل منها.
وهذه قاعدة نافعة، فإن هذا الأسلوب العجيب يصير له موقع كبير، وتتقرر فيه المطالب المهمة، وذلك أن القصة إذا أجملت بكلام يكون لها كالأصل والقاعدة، ثم يقع التفصيل لذلك الإجمال، يحصل به الإيضاح والبيان التام الكامل الذي يقع ما يقاربه لو فصلت القصة الطويلة من دون تقدم صورة إجمالية لها، فإن الصورة تشوق إلى التفصيل.
وقد ورد هذا في القرآن في مَواضع:
منها: في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام: في قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ،
[يوسف: ٣] ، ثم أخذ في تفصيلها:{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} ، [يوسف: ٧] ، ثم ساق القصة بتمامها.
وكذلك قصة أهل الكهف: قال في تصويرها الإجمالي: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً {٩} إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً {١٠} فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً {١١} ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} [الكهف: ٩-١٢] ، فهذه الكلمات القليلة قد حوت مقصودها وزبدتها، ثم بسطها بقوله:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقّ} ، [الكهف: ١٣] ، الآيات إلى آخر القصة. وكذلك قصة موسى: قال: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، {القصص: ٣] ، إلى قوله: {يَحْذَرُونَ} ، [القصص: ٦] ، ث