وأما تقديم الجار والمجرور (عن اللغو) فهو للاهتمام والحصر، إذ المقام يقتضي أن يقدَّم المُعرَضُ عنه لا الإعراض. فإن الإعراض قد يكون إعراضاً عن خير كما قال تعالى:{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} . فتقديم الباطل من القول والفعل ليخبر أنهم معرضون عنه هو الأوْلى. كما أن فيه حصراً لما يُعرَضُ عنه، إذ الإعراض لا ينبغي أن يكون عن الخير، بل الخير ينبغي أن يُسارَع فيه، فتقديم الجار والمجرور ليس لفواصل الآيات فقط، وإن كانت الفاصلة تقتضيه بل لأن المعنى يقتضيه أيضاً.
جاء في (روح المعاني) : إن قوله: {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ}"أبلغ من أن يقال: (لا يلغون) من وجوه: جعل الجملة اسمية دالة على الثبات والدوام، وتقديم الضمير المفيد لتقوّي الحُكْم بتكريره، والتعبير في المسند بالاسم الدال كما شاع على الثبات، وتقديم الظرف عليه المفيد للحصر، وإقامة الإعراض مقام التَّرك ليدلَّ على تباعدهم عنه رأساً مباشرة وتسبباً وقيلاً وحضوراً، فإن أصله أن يكون في عرض أي ناحية غير عرضه".
ثم قال بعدها:{والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} .
إن هذا التعبير يجمع معاني عدة كلها مرادة لا تُؤدَّى في أي تعبيرٍ آخر. فإنه لو حذف اللام من (الزكاة) لكونها زائدة مقوية، كما ذهب بعضهم، أو قدم (فاعلون) على (الزكاة) فحذف اللام أو أبقاها، أو بدل