نفسه وفيهم من أضرارٍ وأمراض فهو يلوم نفسه على ما أحدث فيها من أوجاع وعاهات مستديمة، وعلى ما أحدث في زوجه وعائلته. وحتى ولده الذي لا يزال جنيناً في بطن أمه قد يصيبه من عقابيل ذلك ما يجعله شقياً مُعذَّباً طوال حياته، وملوم من المجتمع على ما أحدثه في نفسه وعلى ما يُحْدِثُه فيهم من أمراض معدية مهلكة. فمن حفظ فرجه فهو غير ملوم، وإلا فهو ملوم أشد اللوم.
ثم قال:{فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولائك هُمُ العادون} .
و {العادون} هم المعتدون، ومعنى الآية: أن هؤلاء هم "الكاملون في العدوان المتناهون فيه". فإنه لم يقل:(فأولئك عادون) أو (من العادين) بل قال: {فأولائك هُمُ العادون} للدلالة على المبالغة في الاعتداء من جهة أن العِرْضَ أثمن وأغلى من كل ما يُعتدى عليه ويُنال منه، ومن جهة أن هؤلاء هم أَولى مَن يوصف بالعدوان، لأنهم يعتدون على أنفسهم بما يجرّون عليها من وبال وأوجاع وعاهات مستديمة، قد تصل إلى الجنون، ويعتدون على أزواجهم وعوائلهم، بما ينقلونه إليهم من هذه الأوجاع والأمراض، ويعتدون على أولادهم وعلى الجيل اللاحق من أبنائهم، ممن لم يظهر إلى الدنيا بما يُلحقونه بهم من هذه الآفات المستديمة، ويعتدون على المجتمع الذي يعيشون فيه، بما ينقلونه إليه من أمراض معدية مرعبة وما (الإيدز) إلا واحد من هذه الأمراض الوبيلة المرعبة. أفهناكَ عدوانٌ أوسعُ من هذا العدوان وأخطر منه؟
نحن نعرف أن المعتدي قد يعتدي على بيت أو قبيلة، أما أن يمتد العدوان إلى الإنسان نفسهِ وأولاده وزوجه وربما إلى طبيبه الذي يعالجه،