وإلى الجيل الذي لم يظهر بعد، وإلى المجتمع على وجه العموم، فهذا شر أنواع العدوان وأوْلى بأن يوسم صاحبه به.
أفرأيتَ العلو في الاختيار والجلالة فيه، إنه لا يؤدي تعبيرٌ آخر مُؤدَّاه.
إنه لم يقل:(فأولئك هم الضالون) أو (أولئك هم الخاطئون) أو (الفاسقون) ، وما إلى ذلك مع أنهم منهم، لأن هذه الصفات فردية، وليس فيها إشارة إلى العدوانية، كما ليس فيها إشارة إلى الخطر الهائل الذي يحيق بالمجتمع من جراء ذلك.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن ذلك أنسب مع قوله:{غَيْرُ مَلُومِينَ} فإن المعتدي مَلُومٌ على عدوانه أكثر من صاحب الأوصاف التي ذكرناها.
وهناك أمر آخر لاءم بين ذِكْرِ هذه الصفات، وهو أن الصفات المذكورة كلها ذات علاقة بالآخرين، وليست فردية، فالذي لا يحفظُ فرجه، إنما يرسله فيما لا يَحِلُّ له من أفراد المجتمع، وقوله:{غَيْرُ مَلُومِينَ} كذلك فإن الملوم يقتضي لائماً، وقد فعل ما يقتضي اللومَ من الآخرين، وقوله:(هم العادون) كذلك. فإن العادي يقتضي معتدى عليه، ولا يسمى عادياً حتى يكون ثَمَّةَ معتدى عليه. فالصفات هذه كلها كما ترى ليست فردية. فانظر التناسب اللطيف بينها.
ثم انظر كيف اختار التعبير عن هذه الصفات بالصيغة الاسمية فقال:(حافظون) و (ملومين) و (العادون) للدلالة على ثبات هذه الصفات. فقوله:{والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ، يفيد ثبات الحِفْظ ودوامه وعدم انتهاكه على سبيل الاستمرار، لأن هذا لا ينبغي أن يخرم ولو مرة واحدة.
ومن فعل ذلك على وجه الدوام فإنه غير ملوم على وجه الدوام، أيضاً فإن خالف لِيْمَ على ذلك. والذي يبتغي وراء ذلك، ويلهث وراء