ويدخله الجنة، هو أن يكون من الصالحين، والتصدق إنما يكون من الصلاح. والذي يدلك على ذلك قوله تعالى في سورة (المؤمنون) : {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ رَبِّ ارجعون * لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا}[المؤمنون: ٩٩-١٠٠] . فإنه ذكر الصلاح ولم يذكر الصدقة، لأن الآية لم تقع في سياق الكلام على الأموال وإنفاقها، وذلك يدل على أن الصلاحَ هو مناطُ النجاة وأنه هو الأهم. فعبّر عن كونه من الصالحين بأسلوب الشرط، لأنه أقوى في الدلالة على التعهد والتوثيق، فقد اشترط على نفسه أن يكون من الصالحين، وقطع عهداً على نفسه بذلك. فأعطى الأهم والأولى أسلوبَ الشرط الدال على القوة في الأخذ على النفس والالتزام. وأعطى ما هو دونه في الأهمية والأولوية، أسلوب التعليل ولم يجعلهما بمرتبة واحدة.
وقد تقول: إذا كان الأمر كذلك فَلِمَ قَدَّمَ الصدقة على الصلاح؟
والجواب: أن السياق هو في إنفاق الأموال، فقد قال تعالى في هذه الآية:{وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ} فدعا إلى الإنفاق، فكان تقديم الصدقة مناسباً للمقام. ثم إنه تردد في السورة ذِكْرُ الأموال والانشغالُ بها، وما إلى ذلك، فقد جاء قبل هذه الآية قوله:{ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولائك هُمُ الخاسرون} فنهى عن الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله، وجاء قبلها قوله في المنافقين:{هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض} .
فأنتَ ترى أن تقديم الصدقة، هو المناسب للسياق الذي وردت فيه الآية وللجو الذي تردد فيه ذِكْرُ الأموال والانشغال بها، والتوصية من المنافقين بعدم إنفاقها في سبيل الخير.
وقد تقول: ولِمَ قال: {فَأَصَّدَّقَ} ولم يقل: (فأتصدق) الذي هو الأصل؟