وذكرُ البصر مع ذكر الشمس والقمر له سببه ومناسبته، فإن البصر يعمل مع وجود الشمس والقمر، أي: مع النور؛ فإذا لم يكن ثَمَّةَ نورٌ فلا يعمل شيئاً كما قال تعالى:{ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ}[البقرة: ١٧] .
وفي هذا اليوم قد تعطَّلَ البصرُ كما تعطّل الشمس والقمر، فالبصرُ بَرِقَ، والقمر خُسِفَ، وجُمعَ الشمسُ والقمر.
ثم انظر كيف قال:{بَرِقَ البصر} ولم يقل (عَمِيَ) أو نحو ذلك، فإن المراد تعطيله مع وجوده، كما فعل بالشمس والقمر، فإنه لم يُزِلْهُمَا ويُذهبْهما، وإنما عَطَّلهما فهو تناسب لطيف.
ثم انظر كيف قال:{وَجُمِعَ الشمس والقمر} إشارة إلى تعطيل الحياة الرتيبة إذ إن استمرار الشمس والقمر على حالهما دليل على استمرار الحياة. والدنيا إنما هي أيامٌ وليال، وآيةُ النهار الشمس وآية الليل القمر، فجمعُهما معاً دليلٌ على تعطيل الحياة التي كان يرجوها مُسَوِّفُو التوبةِ، والمغترُّون بالأمل والذين يقدّمون الفجور ممن تقدم ذِكْرُهم بقوله:{بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ثم انظر بعدُ علاقة ذلك بالنفس اللوامة التي كانت تقدّم الفجور، وتغتر بالدنيا ففاجأها ما يستدعي كثرة اللوم.
ثم انظر مناسبة ذلك القسم بـ (يوم القيامة) ، و (اليومُ) يُستعمل في أحد مَدْلوليهِ لمجموعِ الليل والنهار فناسب ذلك ذكر الشمس والقمر، إذ هما دليلا اليوم وآيتاه في الدنيا، أما يوم القيامة فهو يوم لا يتعاقبُ فيه الشمس والقمر، بل يُجمعان فيه فلا يكون بعدُ ليلٌ ونهار بل هو يومٌ متصل طويل.
وفي هذا اليوم يطلب الإنسان الفرار، ولكن إلى أين؟
ويبقى السؤال بلا جواب. ثم يجيب رب العزة بقوله:{كَلاَّ لاَ وَزَرَ} والوزَر: الملجأ، فلا ملجأ يفر إليه الإنسان ويحتمي به وإنما {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ