ثم قال بعدها:{فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى * ولاكن كَذَّبَ وتولى * ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى * أولى لَكَ فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى} .
هذه الآيات فيها حشد من الفن عظيم عسى أن أُوفَّقَ إلى بيانِ شيء من مظاهره. فمن ذلك:
١- أن هذه الآيات وقعت بعد قوله:{والتفت الساق بالساق * إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} وهذا النفي والإخبار فيها، إنما هو في الآخرة وهي من أحوال الآخرة وأخبارها، فارتبطت بقوله:{لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} .
٢- كما ارتبطت بالنفس اللوامة من جهتيها الداعيتين إلى اللوم، فقد ذكرنا أن النفس اللوامة إنما تلوم نفسها لسببين:
إما أن تقوم بعمل لا ينبغي أن تقوم به فتندم فتلوم نفسها على ذلك، أو تترك عملاً ما كان ينبغي لها أن تتركه، فيفوتها خيره فتندم فتلوم نفسها على ذلك. والنفس هنا قدّمت التكذيب والتولّي:{ولاكن كَذَّبَ وتولى} وأخَّرت التصديقَ والصلاة {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى} فندمت في الحالتين فاقتضى ذلك أن تلوم نفسها من الجهتين، وأن تكثر ذلك وتبالغ في الملامة.
٣- كما ارتبطت بقوله:{بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ذلك أنه كذّب وتولى، فقدم شهواته ومعاصيه.