الأحوال يشتغلون بالفحص عن عيوب النفس.. واستنباط دقيق الكلام فى آفاتها.. فيقولون: هذا فى النفس عيب.. والغفلة فى كونه عيبا عيب.. ويشتغلون فيها بكلمات متلبسة.. وضيعوا فى ذلك أوقاتهم.. وكأنهم وقفوا مع أنفسهم.. ولم يشتغلوا بخالقهم.. فمثالهم مثال من اشتغل بأوقات الحج وعوائقه.. ولم يسلك طريق الحج.. وذلك لم يغنه عن الحج..
[الفرقة الثامنة]
وفرقة أخرى جاوزت هذه المرتبة.. وابتدأوا سلوك الطريق.. وانفتحت لهم أبواب المعرفة.. فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها.. وفرحوا بها.. وأعجبهم غراسها.. فتعلقت قلوبهم بالالتفات إليها.. والتفكر فيها.. وفى كيفية انفتاح بابها عليهم.. واشتدادها على غيرهم.. وكل ذلك غرور.. لأن عجائب طريق الله تعالى ليس لها نهاية.. فمن وقف مع كل أعجوبة.. وتقيد بها قصرت خطاه.. وحرم الوصول إلى المقصد.. ومثاله مثال من قدم على ملك.. فرأى باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار.. ولم يكن قد رآها قبل ذلك.. ولا رأى مثلها.. فوقف ينظر إليها حتى فاته الوقت الذى يمكنه اللقاء بالملك فانصرف خائبا.