ج - ثم تبدأ مرحلة الأحلاف في مصر، وتبدأ معها ألمع فترة في تاريخ الهجرات العربية إلى جنوب وادي النيل، ولسنا نذهب بعيداً إذا قلنا إن بقايا الأحلاف التي لجأت إلى السودان، كانت هي العمود الفقري الذي التفت حوله المجموعات العربية التي نراها اليوم في السودان. ولا ننتظر - بطبيعة الحال - أن نجد الأحلاف العربية التي تألفت في مصر، قد ظلت بعد هجرتها إلى السودان محتفظة دائماً بشكلها وتنظيمها الذي كانت عليه في مصر. فهذا يتوقف - إلى حد كبير - على العوامل التي دفعتهم إلى الهجرة، والظروف التي أحاطت بها، ومدى استقرارهم في مهاجرهم الجديدة في السودان. فالجماعات التي أتيح لها أن تهاجر إلى السودان في فترات السلم والهدوء، فلم يصبهم من قسوة المعارك ما أعجلهم عن ديارهم وأفزعهم إلى مهاجر جديدة، هؤلاء قد احتفظوا في السودان. - فترة من الزمن على الأقل - بتنظيمهم الذي كانوا عليه في مصر. والجماعات التي استقرت في بلاد " مريس " وفي أرض المعدن ببلاد البجة، منذ بداية المرحلة أو قبلها بقليل، لم يطرأ عليها من عوامل التشتت والتفرق ما طرأ على الأحلاف التي وقفت تقاوم الأتراك وجهاً لوجه، فلم تستطع الصمود، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتنظيم هجرتها إلى السودان، فولت هائمة على وجهها تلتمس للهرب كل سبيل. فهؤلاء قد بلغوا السودان، على دفعات غالباً، وتفرقوا في أنحائه، واندمجوا في جماعات أخرى، وكونوا أحلافاً جديدة، وكان من المتعذر عليهم، بطبيعة الحال، أن يلتقوا في السودان على نفس التنظيم الذي كانوا عليه في مصر. كذلك هذه الجماعات التي لقيت في مهاجرها الجديدة عوائق طبيعية أو اجتماعية، فاضطرتهم إلى التفرق على بقاع شتى من السودان.