إذا ما تتبعنا ما أحصته المصادر من جيوش الفتح العربي وعدد أفرادها الذين دخلوا مصر مع عمرو بن العاص والزبير بن العوام وعبد الله بن سعد وغيرهم، في خلال ربع القرن الأول من الفتح ١٨ - ٤٣ هـ وجدنا بضع عشرات من الألوف، نزلوا مصر، وأقاموا في الفسطاط والجيزة والإسكندرية وبعض جهات الصعيد. فقد روت المصادر أن الذين قدموا مع عمرو بن العاص كان عددهم لا يزيد على أربعة ألاف، ثم أتبعه الزبير بن العوام بمدد قدر في بعض الروايات باثنى عشر ألفاً. ثم نظمت لهم خطط " أي طرقات " في مدينة الفسطاط في سنة ٢١ هـ في الفضاء الواقع شمالي بابليون بين النيل وجبل المقطم، وعرفت كل خطة باسم الجماعة التي نزلت فيها، ثم اتسعوا في البلد فاختطوا على النيل. وبنى عمرو بن العاص بالفسطاط مسجد جامعها، ودار إمارتها المعروفة بدار الرمل، وجعل الأسواق محيطة بالمسجد الجامع في الجانب الشرقي من النيل وجعل لكل قبيلة محرساً وعريفاً. كذلك سكنت بعض هذه القبائل منطقة الجيزة وكانت لهم خطط كما في الفسطاط. وبنى عمرو حصن الجيزة في الجانب الغربي من النيل، وجعله مسلحة للمسلمين وأسكنه قوماً. وأخذ العرب يفدون على الفسطاط. حتى كان بها في خلافة معاوية أربعون ألفاً. أما في الإسكندرية فقد كانت حاميتها إلى سنة ٤٣ هـ تبلغ اثنى عشر ألفاً، وكتب قائدها إلى والي مصر يشكو قلة العدد، وزاد عددها في أيام خلافة معاوية حتى بلغ ٢٧ ألفاً. وكان صعيد مصر يمثل قسماً إدارياً منفصلاً بإدارته عن مصر السفلى، وقد ورث العرب هذا التقسيم الثنائي من عهود الرومان السابقة. وقد أبقى عليه العرب حين فتحوا مصر. فكان على مصر العليا، في أواخر خلافة عمر بن الخطاب عبد الله بن سعد بن أبي السرح. أما عمرو بن العاص فالراجح أنه كان الأمير الأعلى على مصر كلها، وإن كان ابن عبد الحكم قد ذكر في روايته أن عمراً كان حينئذ أميراً على مصر السفلى. وربما كان تنازع السلطة بين الأميرين في ذلك الحين هو الذي جعل عمرو بن العاص، عندما بويع عثمان بن عفان سنة ٢٣ هـ، يطلب إلى الخليفة أن يعزل عبد الله بن سعد عن صعيد مصر فامتنع من ذلك عثمان وعقد لعبد الله بن سعد على مصر كلها. وفي أيام إمارة عبد الله بن سعد