تنبه العرب في ديار مصر إلى خطر التيار التركي الذي جعل يستشري على مر الأجيال والعصور. ونعني بالترك - تجوزاً - كل الأخلاط التي جُلبت إلى مصر من الترك والديلم والطرسوسيين والفراغنة والصقالبة والشركس ومن لف لفهم. وكان من الممكن أن تخف حركات العرب عند حد المرحلة السابقة، بعد أن استقر كثير منهم، وانصرفوا إلى أرزاقهم. ولكن هجرات عربية جديدة قد انتقلت إلى مصر، وكان ما زال بمصر جماعات تعيش على الأطراف، تتطلع إلى نوع من الاستقرار، فلا تجد إليه سبيلا، بل إن فئات من الذين استقروا شبه استقرار لم يسمح لهم بأن يمارسوا أعمالهم في هدوء، فقد ظل التيار التركي يتراءى شبحه منذ عصر الطولونيين، فيقترب شيئاً فشيئاً إلى أن اصبح في عصر المماليك كابوساً سد على العرب كل منفذ من منافذ الحرية والارتزاق. وكان من الطبيعي أن تقوم في هذه العصور أحلاف عربية معادية للسياسة التركية في مصر. على أنه من الإنصاف أن نستثني من هذا الحكم عصرين من عصور هذه المرحلة الطويلة، أعني عصر الفاطميين وعصر الأيوبيين، فقد كانا أخف على العرب وطأة، وأقرب إلى نفوسهم. ولقد نشأت في هذين العصرين أحلاف عربية، ولكنها كانت أحلافاً تحمل طابعاً مختلفاً - في أغلب الأحيان - عن الأحلاف المعادية التي قامت في سائر هذه المرحلة. فالفاطميون على الرغم مما قيل في نسبهم، يعتزون بالانتساب إلى قريش، ويجرون على سياسة تشبه سياسة الأمويين في الاعتماد على العناصر العربية والاستعانة بهم في حروبهم، وفي تدعيم قوتهم، وفي استغلال العصبية بينهم أحياناً. ولعل أخبار بني هلال مع الفاطميين مثل واضح على ذلك كله. فقد شجع الفاطميون هجرة بني هلال وهم من القيسية وحلفائهم إلى مصر، فاكتظت بهم أنحاء مصر الشرقية، ثم أدركتهم شريعة الصحراء فجعلوا يشغبون حتى سُمح لأ كثرهم بالهجرة إلى بلاد المغرب لمحاربة بني باديس الذين كانوا خصوماً للفاطميين. وقبل هذه الحادثة بنصف قرن تقريباً، كانوا بنو قرة الجذاميون يسكنون البحيرة، وقام في ذلك الحين ثائر أموي، لقب بأبي ركوة، نزح من بلاد الأندلس إلى مصر، واستمال إليه عرب برقة والبحيرة، فانضم إليه بنو قرة هؤلاء، فلما هُزم أبو ركوة سنة ٣٩٧هـ،