للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرقية، كما يتضح من دراسة الأمكنة التي أوردها المقريزي في البيان والإعراب، فقد ذكر هربيط " بالقرب من أبي كبير " وتل بسطة " الزقازيق " وفاقوس سكنها هلبا سويد من جذام والبرامون سكنها الحيادرة من جذام أيضاً. وفي أواخر هذه المرحلة، هاجر إلى بلبيس وما حولها جماعات من العائذ، ويقال إنها من جذام، ولكن تأثيرهم في سكان المنطقة كان محدوداً إذ كانوا يؤلفون طبقة منعزلة عن سائر السكان. وكان عرب العائذ حراساً لتأمين الطريق بين القاهرة ومكة إلى أيله وهي العقبة الحالية. وإذا كان قد حدث في عهد الأيوبيين شيء من المناوأة لجماعات عربية معينة، كالجذاميين وبني كنز الدولة، فإن ذلك كان يمثل في أغلب الأحيان حالات فردية لها ظروف خاصة، عرفنا بعضها فيما يتعلق بجذام، وسنعرف - بعد قليل - شيئاً منها عند الكلام على بني كنز الدولة. وتفيدنا المصادر بأن القرشيين في مصر كانوا مقربين لبني أيوب. والأيوبيون، فضلا عن هذا، كانوا حريصين على أن يضيفوا إلى تعربهم الثقافي، عروبة سلالية، فعلى الرغم مما قاله المؤرخون في الأكراد ونسبهم، نجد الأيوبيين يعتزون بالأنتساب إلى بني مروان في رواية، أو إلى هوازن في رواية ثانية، أو إلى الأزد في رواية ثالثة. وهذا إن دل على شيء فأنما يدل على قوة نزعه التعرب في نفوس هؤلاء الحكام مما كان له أثر في توجيه سياستهم والتعاطف مع أهل الأقطار العربية التي حكموها. وصفوة القول أن هذه المرحلة التي نتحدث عنها قد اتسمت بظاهرة واضحة، من وجهة نظر الباحث في تاريخ القبائل العربية في مصر، تلك هي قيام الأحلاف العربية، وهذه الأحلاف، من حيث علاقتها بحكام مصر في خلال هذه المرحلة، كانت - بصفة عامة - إما معادية للسياسة التي برزت في العصور التركية التي أشرنا إليها، وإما مهادنة - نسبياً - للسلطة الحاكمة كالذي حدث في عصري الفاطميين والأيوبيين. وهذا النوع الأخير من التحالف، كان يستخدمه الحكام في تدعيم سياستهم مثل حلف طيء وكلب، والحلف الهلالي في زمن الفاطميين، والحلف الطائي الذي أبلى بلاء حسناً في الحروب الصليبية مع صلاح الدين. أما الأحلاف المعادية، فقد كانت في حقيقة الأمر تعبيراً عن تيار عربي كان يقف في

<<  <   >  >>