ذكرنا فيما سبق أن ربيعة قد توطدت مكانتها في الصعيد الأعلى، وفي أرض المعدن بنوع خاص، وتحالفوا مع البجة " الحداربة " فقويت البجة بهم، كما قويت ربيعة بالبجة على من ناوأها من اليمن ومضر. وكان صاحب المعدن في زمن المسعودي المؤرخ ٣٣٢هـ أبا مروان بشر بن إسحاق. قال " وهو من ربيعة، يركب في ثلاثة آلاف من ربيعة وأحلافها من مضر واليمن وثلاثين ألف حراب على النجب من البجة بالحجف البجاوية، وهم الحداربة، وهم المسلمون من بين سائر البجة، وباقي البجة كفار يعبدون صنما لهم " ونفهم من هذا أن ربيعة كان لهم خصوم من مضر واليمن كما كان لهم حلفاء من هؤلاء وأولئك أيضا، وكان من حلفائهم - غير مضر واليمن - طائفة من الحداربة، وهم حضارمة أصلا، والحضارمة يلحقون بنسب حمير بن سبأ، ولا يبعد أن يكون الحداربة عناصر شتى من أعقاب سبأ، كان منها قبيلة بلى، نزحوا إلى بلاد البجة قبل مجيء ربيعة بزمن طويل، يربو على ثلاثة قرون، وعندما صار لربيعة نفوذ في بلاد البجة، كان الحداربة قد توطنوها، وصاروا من أهلها، فعدوا طائفة من البجة. وفي عصر الفاطميين، تمكنت ربيعة وأحلافها أن يؤسسوا أول إمارة عربية في أرض المعدن بالعلاقي، وكانت أسوان مقراً لها، وامتد سلطانها جنوباً في أرض " مريس "، وكان زعيمهم حينئذ هو الذي أشار إليه المسعودي ووصفه بصاحب المعدن، أعني أبا مروان بشر بن إسحاق. وقد أقر الفاطميون هذه الإمارة الناشئة، واستعان الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله، بزعيم ربيعة في ذلك الحين في القبض على الثائر الأموي الأندلسي " أبي ركوة " وكان قد لجأ إلى الصعيد وهم بالفرار إلى بلاد النوبة. وسر الحاكم بأمر الله، وكافأ زعيم ربيعة بلقب " كنز الدولة " وتوارث أبناؤه هذا اللقب. ولم تزل الإمارة فيهم، وكلهم يعرفون بكنز الدولة. ويبدو أن الأيوبيين حين قدموا مصر، وتعقبوا الفاطميين للقضاء عليهم، كانوا يتوجسون خيفة من إمارة كنز الدولة، ظناً منهم أنها تتشيع للفاطميين. فهاجم الأيوبيون بني الكنز، وهزموهم، وانسحب أكثرهم من أسوان إلى الجنوب. واتخذوا بلاد مريس مركزاً لنشاطهم، ثم عاودوا الهجوم على أسوان مرات عديدة حتى استولوا عليها بعد سنة ٧٩٠هـ " وكانت