يلي ذلك منهم خالف عن سالف إلى أن قام الحارث الرائش. وتقلد كهلان وولده حفظ الممالك والذب عنها وسد ثغورها. يلي ذلك منهم كابر عن كابر إلى أيام عامر بن حارثة الأزدي المسمى ماء السماء وكان في عصر الحارث الرائش قائما بحفظ المملكة وسد ثغورها على سنن آبائه من كهلان. وكان الحارث الرائش محدثا. والمتحدث بفتح الدال المشددة هو الذي يتحدث على مستقبلات الزمان ويخبر بما سيكون من الحوادث قبل كونها فيأتي الأمر بتصديق ما يقوله. وكان الحارث الرائش كذلك وله في هذا الشأن عدّة قصائد. منها القصيدة التي أولها:
أنا الملك المتوج ذو العطايا ... جلبت الخيل من أوطان سام
لأغزو أعبدا جهلوا مكاني ... سلالة يافث وقبيل حام
بني قحطان فانتجعوا وسيروا ... وحجوا البيت في البلد الحرام
بإذن الله حجوا فهو بيت ... توارثه الهُمامُ عن الهمام
وكونوا مثل ملطاط بن عمرو ... وذي إنس الغطارفة الكرام
فنحن الأغلبون إذا بطشنا ... ونحن المتقون لكل ذام
وإنا يوم نغضبُ أو نسامي ... تكاد الأرض ترجف بالأنام
وإن نرضى تقر بمن عليها ... ويشرق وجهها بعد الظلام
وفينا الملك والأملاك حقاً ... ونحن الأكرمون بنو الكرام
أبونا يعرب وسبا أبونا ... ونفخر من يفاخر أو يسامي
فان أهلك فقد أثّلت ملكاً ... لكم يبقى إلى زمن التّهامي
ويملك بعدنا منّا ملوك ... بنو عزّ كعالية الغمام
ويخاف بعدهم منّا ملوك ... يدينون العباد بغير ذام
وتنتشر الأساود بعد هذا ... عقاب الله في الآثام
ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبيّ لا يرخّص في الحرام